الجزائر تستخدام ورقة الغاز كأداة ضغط على إسبانيا لدعمها الحكم الذاتي في الصحراء المغربية

0
140

أثار قرار اسبانيا الاعتراف بمبادرة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء تحت سيادته غضب الجزائر الداعمة والحاضنة لجبهة البوليساريو الانفصالية وبادرت السبت الماضي باستدعاء سفيرها للتشاور في موقف جاء احتجاجا على تغير الموقف الاسباني.

الجزائر – قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية سوناطراك توفيق حكار، اليوم الجمعة، إن “الشركة لا تستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني” وذلك في سياق توتر دبلوماسي بين الجزائر ومدريد بشأن اعتراف إسبانيا بالحكم الذاتي في الصحراء. 

وأشار حكار  إلى أنه” منذ بداية الأزمة في أوكرانيا قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها”باستثناء اسبانيا.

وكانت الجزائر قد هددت بمراجعة كافة الاتفاقات مع إسبانيا، بعد أن غيرت مدريد موقفها قبل أيام حيال ملف الصحراء  في 18 آذار/مارس المنصرم، منهية بذلك أزمة دبلوماسية كبيرة امتدت نحو عام مع الرباط.

وتأتي إمكانية مراجعة الجزائر لأسعار النفط والغاز مع إسبانيا من جهة، في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وما قد يتبعه من خفض لحصة النفط الروسي في السوق العالمية أو إرباك في الإمدادات.

وكان لافتا قبل إعلان مدريد قراراها باعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية الحل الأكثر واقعية والقابل للتطبيق، أن الجزائر أعلنت في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا وبروز مخاوف من اضطراب في إمدادات الغاز لأوروبا، أنها مستعدة لزيادة إمدادات الغاز للشركاء الأوروبيين وأن الأمر يتعلق بعلاقات وطيدة وممتدة بين الجانبين.

ويُفسّر هذا الموقف بحاجة الجزائر لزيادة إيراداتها من الغاز وبالتالي التعويض عمّا فقدته من عائدات تراجع النفط منذ العام 2014 حين بلغ سعر برميل النفط في تلك الفترة 20 دولارا متراجعا من طفرة أسعار بلغت قبل تلك الصدمة النفطية حوالي 100 دولار للبرميل.

وارتفعت أسعار الغاز في الفترة القليلة الماضية بنحو 136 بالمئة مدفوعة بمخاوف عالمية من اضطراب في إمدادات الغاز من روسيا التي فرض عليها الأوروبيون وهم من أهم المشترين، عقوبات قاسية.

وأقدمت إسبانيا التي تعتمد بشدة على الجزائر في إمدادات الغاز، على تغيير جذري في موقفها في 18 آذار/مارس بشأن قضية الصحراء المغربية و”استغربت” الجزائر “الانقلاب المفاجئ” في الموقف الإسباني، واستدعت سفيرها بمدريد في 19 آذار/مارس/المنصرم. 

وغيرت اسبانيا موقفها من النزاع في الصحراء المغربية بشكل يتناغم مع الموقف المغربي وبما يتماشى مع مواقف دولية أخرى أكدت على واقعية مقترح الرباط للحكم الذاتي، التي قدّمت في العام 2007، بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” المتعلق بالصحراء المغربية. لعلّ اهمّ ما في الرسالة قول رئيس الوزراء الاسباني أنه “يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب”. مشيرا إلى “الجهود الجادة ذات المصداقية التي يقوم بها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل تسوية ترضي جميع الأطراف”. اكثر من ذلك، أبرز رئيس الحكومة الإسبانية أن ” البلدين تجمعهما، بشكل وثيق، أواصر المحبة، والتاريخ، والجغرافيا، والمصالح، والصداقة المشتركة”، معربا عن ” يقينه بأن الشعبين يجمعهما المصير نفسه أيضا”، وأن “ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح”. 

ذهب رئيس الحكومة الإسبانية في رسالته الى الملك الى تأكيد أن “هدفنا يتمثل في بناء علاقة جديدة، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب، في مستوى أهمية كلّ ما نتشارك فيه ويجمع بيننا”. وفي هذا السياق، فإن “اسبانيا ستعمل بكل الشفافية المطلقة الواجبة مع صديق كبير وحليف”. وأضاف سانشيز: “أود أن أؤكد لكم أن إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها”.

جدد رئيس الحكومة الإسبانية، في رسالته تأكيد “عزمه العمل الجماعي من أجل التصدي للتحديات المشتركة، لاسيما التعاون من أجل تدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والعمل على الدوام في إطار روح من التعاون الكامل”. خلص إلى “أنه سيتم اتخاذ هذه الخطوات من أجل ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين”.

نعم، هناك تركيز على “الوحدة الترابيّة للبلدين”. معنى ذلك وضوح اسباني في شأن لمن تعود الصحراء في ضوء نضال مغربي سياسي وعسكري استمرّ 47 عاما لتكريس حقيقة تاريخيّة ثابتة موثقة قانونيا من جهة ومواجهة حرب استنزاف تتعرّض لها المملكة من جهة أخرى.

استطاع المغرب الخروج منتصرا من حرب الاستنزاف التي تشنّها الجزائر عليه، بل ردّ عليها بنجاحات على الصعيدين الداخلي والخارجي. تظلّ الاختراقات الافريقية التي تحققت منذ عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي الدليل الأبرز على تحوّل المغرب دولة ذات موقع إقليمي لا مجال لتجاوزه كجسر مهمّ بالنسبة الى كلّ دولة اوروبيّة مهتمة بافريقيا، بما في ذلك فرنسا.

احتاجت اسبانيا الى كلّ هذه السنوات كي تقول كلمة حقّ، علما انّ العلم المغربي ارتفع في الصحراء لحظة انسحابها منها في العام 1975 في وقت كان الجنرال فرانكو على فراش الموت والبلد يستعد لاستقبال عهد جديد، ينهي سنوات طويلة من الديكتاتوريّة، في ظلّ الملك خوان كارلوس.

كرست رسالة رئيس الحكومة الاسبانيّة الى محمد السادس واقعا جديدا اسمه الموقع المغربي في المنطقة كلّها. في شمال افريقيا والعمق الافريقي نفسه وفي كون المغرب جسرا بين أوروبا والقارة السمراء. بعد الاعتراف الأميركي بمغربيّة الصحراء، جاء دور اسبانيا التي غلفت هذا الاعتراف بالإشادة بالطرح المغربي والحكم الذاتي في اطار السيادة المغربيّة. 

لم يعد في الإمكان تجاهل الموقف الاسباني الذي يندرج في سياق طويل من النجاحات المغربيّة المدعومة عربيّا. لا يدل على ذلك اكثر من البيان الصادر عن القمة الخليجية التي انعقدت في الرياض في كانون الاوّل – ديسمبر الماضي. لم تترك القمّة مجالا لأي شكّ في موقف دول الخليج العربيّة الست من وضع الصحراء المغربيّة ومن طبيعة العلاقة التي تربطها بالمغرب.

وتقول المملكة إن أقصى ما يمكن أن تقدمه كحل سياسي للنزاع هو حكم ذاتي تحت سيادتها. وترفض جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر ذلك وتقولان إنهما تريدان استفتاء على الاستقلال. كما تندد الجزائر وجبهة البوليساريو أيضا بافتتاح قنصليات في الصحراء المغربية.

وقال سكريت إن بلاده تؤيد سيادة المغرب على المنطقة وخطة الحكم الذاتي. كما أيدت قوى كبرى، بينها فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وإسبانيا وإسرائيل هذا الشهر، اقتراح الرباط لإنهاء الصراع.

وكانت معظم الدول تؤيد على مدى سنوات فكرة إجراء استفتاء لحل القضية وهو ما اتُفق عليه في إطار وقف إطلاق النار عام 1991.

ومع ذلك لم يكن هناك أي اتفاق على الإطلاق بخصوص كيفية إجراء الاستفتاء. وتوقفت، حتى الأمم المتحدة، في السنوات القليلة الماضية عن الإشارة لفكرة الاستفتاء مفضلة بدلا من ذلك الحديث عن السعي لحل وسط واقعي يقبله الطرفان.