الجزائر توقع مذكرة تفاهم مع النيجر ونيجيريا لإنجاز أنبوب الغاز في مجال جغرافي يعرف بانتظام عدة هجمات تقوم بها الجماعات الانفصالية وتستهدف بالخصوص المنشآت البترولية

0
107

من المتوقع أن تتعرض منطقة الساحل الإفريقي إلى ارتدادات أمنية بعد التموضع الجغرافي الجديد لبوكو حرام على حساب الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد، فهل سيتمدد التنظيم ويتوسع نحو منطقة شمال إفريقيا ومنها إلى أوروبا عبر الاراضي الجزائرية؟ 

وقعت الجزائر مذكرة تفاهم مع النيجر ونيجيريا، اليوم الخميس، للشروع في إنجاز أنبوب الغاز العابر للصحراء، تتويجا لأشغال الإجتماع الوزاري الثالث لوزراء الطاقة،”المشروع يؤكد أن الدول الإفريقية تستطيع اقامة مشاريع كبرى فيما بينها وهو ما يسمح بتأمين موراد الطاقة في افريقيا”.

وأعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية على “تويتر” عن صور استقبال الرئيس عبد المجيد تبون، وزراء قطاع المحروقات لكل من النيجر ونيجيريا، عقب الاجتماع الثلاثي المنعقد بالجزائر، والمتوج بتوقيع مذكرة تفاهم بخصوص مشروع #خط_أنبوب_الغاز_العابر_للصحراء. حضر اللقاء مدير ديوان رئاسة الجمهورية ووزير الطاقة والمناجم.

وكانت الدول الثلاث اتفقت في يونيو/حزيران على إحياء المحادثات بشأن المشروع، الذي يمثل فرصة لأوروبا لتنويع مصاردها للغاز.

كما أن التوقيع على الإتفاقية جاء تتويجا لأشغال الإجتماع الوزاري الثالث لوزراء الطاقة. لكل من بلدان الجزائر النيجر ونيجيريا المنعقد بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال بالعاصمة.

من جانبه قال وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، على هامش التوقيع، أن مدكرة التفاهم تعبر عن إرادة الأطراف الثلاث في تجسيد هذا المشروع الطموح والكبير، مضيفا أن هذه المذكرة تعد إشارة قوية للعالم حول الإنطلاق في تجسيد هذا المشروع الهام.

وأضاف عرقاب، أنه من اهم القرارات تشكيل لجنة تقنية و لجنة مراقبة رفيعة المستوى لوضع اللمسات الأولية للدراسة. كما أن إجتماع اليوم مكمل الإجتماعات الفارطة وتوصلنا الى قرار وضع مذكرة تفاهم لمواصلة كل البرامج التي قررناها لانجاز المشروع.

ومن جهته أشار وزير الدولة للموارد البترولية لنيجيريا تيميبري سيلفا، إلى أن مذكرة التفاهم هي متابعة للمشروع بين البلدان الثلاث و الاتفاق اليوم هو للعمل شويا من اجل التأمين الطاقوي الأفريقي.

وقال وزير البترول والطاقة والطاقات المتجددة لدولة النيجر مهامان ساني محمدو، أن هذا الاجتماع الثالث متفائلون تجاه انجاز هذا المشروع والذي يهم البلدان الثلاث. كما أن المشروع ايضا سيساهم في تأمين الطاقة للبلدان الأفريقية.

وقدرت التكلفة الأولية للمشروع عند توقيع مذكرة التفاهم بين الجزائر ونيجيريا، بـ13 مليار دولار لنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.

وتجدد الاهتمام بهذا المشروع الضخم في أعقاب أزمة الطاقة العالمية جراء الحرب في أوكرانيا ومساعي أوروبا للتقليل من التبعية للغاز الروسي.

ويقطع الأنبوب العابر للصحراء، أراضي نيجيريا انطلاقاً من حقول الغاز بدلتا نهر النيجر جنوبي البلاد، على مسافة 1040 كيلومتراً إلى حدود النيجر شمالاً.

ويواصل الأنبوب الغازي مساره عبر أراضي النيجر، على مسافة 841 كيلومتراً، ليصل إلى الحدود الجزائرية بولاية “عين قزام” بأقصى جنوبي البلاد. 

ليست هذه أول مرة يتم فيها التفكير في مد أنابيب لنقل الغاز الإفريقي، النيجيري بالخصوص، لتزويد بلدان غرب القارة ومنها إلى أوروبا؛ ففي سنة 2000 مثلًا فكرت شركة أميركية (Van Dyke)، يوجد مقرها في تكساس، في مشروع مماثل يربط غرب إفريقيا بأوروبا، طواه النسيان ولم يتسنَّ لنا العثور على تفاصيله.

كان هناك أيضًا مشروع الأنبوب الغازي العابر للصحراء على طول 4000 كلم والذي خُطِّط َ له ليربط بين نيجيريا والجزائر مرورًا بالنيجر ووصولًا إلى أوروبا في مرحلة لاحقة. مشروع توقف أيضًا الحديث عنه في السنين الأخيرة نظرًا للمشاكل التمويلية والأمنية التي واجهته في مجال جغرافي جد مضطرب. يُظهر ذلك بشكل مباشر الأهمية الاستراتيجية المبدئية لهذا المشروع الجديد الذي جاء به المغرب ونيجيريا. 

فمن بين المشاكل المتوقعة نجد، أولًا، المخاطر الأمنية المرتبطة بالمشروع والتي لا يخفيها أحد؛ فالأنبوب قد يمر من حوالي ثلاثة دول يعرف بعضها عدَّة مشاكل أمنية وعدم استقرار؛ فالمصدر الأساسي للغاز الذي من المتوقع أن يُضخ في هذا الأنبوب يوجد في دلتا النيجر وهي منطقة بعيدة عن أن تكون آمنة تعرف بانتظام عدة هجمات تقوم بها الجماعات الانفصالية وتستهدف بالخصوص المنشآت البترولية. تتوعد تلك الجماعات بتركيع نيجيريا اقتصاديًّا وتهدد كل مشاريعها طالما لم تستجب السلطات المركزية لمطالبها. ففي كل مرة تندلع فيها الاحتجاجات والمواجهات يطفو شبح دخول البلاد في فترة مجهولة يطغى عليها عدم اليقين مليئة بالأخطار التي قد تهدد حتى الوحدة الترابية لنيجيريا التي وصلت في بعض الأحيان إلى حافة التقسيم وهذا تهديد وتحد واضح لهذا المشروع الطموح. يرفع هذا الوضع المتردي في بعض الأحيان درجة عدم اليقين أمام مستثمرين مطالبين بإيجاد ما بين 15 و20 مليار دولار ونصادف هنا إلى حدٍّ كبير أحد أسباب فشل الأنبوب العابر للصحراء بين نيجيريا والجزائر والذي وُضِع في المجمِّد إلى حين.

ثانيًا: وعلى المستوى الاقتصادي تعرف نيجيريا والنظام الجزائري عجزًا في المصداقية أمام المستثمرين الأجانب ويعملا الآن جاهدين على ترميم ما يمكن ترميمه على هذا المستوى حتى بالنسبة للمشاريع التي انطلق العمل فيها داخل نيجيريا، مثل بناء محطات لتوليد الكهرباء أو مصفاة لتكرير البترول. فإذا لم تنجح نيجيريا في ذلك وفي طمأنة المستثمرين وبقيت الأزمة المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط قائمة فسيكون من الصعب إنجاز هذا المشروع الضخم.

في نفس الإطار ، دخل الاتحاد الأوروبي على خط الأزمة بين الجزائر وإسبانيا، وفتح بذلك فصلاً آخر من العلاقات الأوروبية الجزائرية، بعد رد بروكسل على تعليق الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع مدريد، الأمر الذي اعتبرته الثانية متسرعاً، وصدر من دون استشارة مسبقة أو أي تحقق.

إذ يرى بعض المحللين ان الحركة المتطرفة اقامت علاقات وثيقة مع جماعات متطرفة اجنبية على غرار تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، مما يجعلها مسجل خطرا على مستوى العمليات الإرهابية يهدد امن اكبر بلد افريقي السكان وانتاج النفط في القارة.

منذ أكثر من عشر سنوات مضت على تأسيس جماعة بوكو حرام، كان الهدف الأول لهذا التنظيم بناءَ نموذج دولة الخلافة في شمال نيجيريا. وعلى إثر انسحاب مسلحي الجماعة من مدينة غامبي الواقعة بشمال شرقي نيجيريا بعد سلسلة من المعارك الطاحنة مع الجيش النيجيري، أصبحت هذه الجماعة المتمردة قضية تشغل أجندات الدول المجاورة. 

تعتبر بحيرة تشاد موردًا حيويًّا بالنسبة للدول المطلَّة عليها (الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا)، وباتت تعرف تقلصًا رهيبًا على مستوى متوسط مياهها، والذي يعود إلى فترة بعيدة. وما زاد من تدهور وضع البحيرة هو تمركز “بوكو حرام” وغيرها من المجموعات المسلحة في البلدان المحيطة بها، وهو الأمر الذي حال دون الانطلاق في مشاريع ومخططات الإنقاذ الخاصة بهذا المورد المائي الحيوي، الذي تبنته الدول المطلة على البحيرة منذ سنة 2008، والتي حالت سلسلة الهجمات الإرهابية في المنطقة دون الحصول على التمويلات اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك البحيرة التي تعد شريانًا حيويًّا بالنسبة لاقتصاديات ثالوث الدول المطل على البحيرة، والذي يعد مصدر رزق لنحو 30 مليون شخص.

ونظرًا لتزايد خطر جماعة بوكو حرام في المنطقة، أثَّر ذلك على أولويات وترتيبات الدول المطلَّة على بحيرة تشاد، ليصبح عنصر الأمن في طليعة الاهتمامات الوطنية، وهذا على حساب كل من قطاعي التنمية والصحة.

تشير التقديرات الأمنية إلى أن انضمام تشاد إلى الحرب على بوكو حرام وتورط قواتها في الداخل النيجيري والكاميروني، قد يحوِّل هذا البلد إلى ثقب أسود يستقطب ويمتص مجموعات متطرفة أخرى على غرار كل من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى موجودة في شمال مالي، وهو ما سيورطها في صراع لن يتوقف بسهولة.

ويرجع الأمر إلى كون تشاد شاركت سابقًا بقواتها المسلحة في الحرب على تلك التنظيمات عام 2013، وذلك تحت ضغط وإيعاز فرنسي؛ لتتحول على إثر ذلك تشاد إلى هدف لتلك المجموعات التي تسعى من أجل تأسيس تحالف كبير، يضم جبهات عديدة مفتوحة (في شمال النيجر وشمال تشاد وفي شرق نيجيريا وغربي تشاد). هذا، بالإضافة إلى وجود مجموعات أخرى أبدت جاهزيتها للانضمام إلى ذلك التحالف موجودة حاليًّا في ليبيا؛ حيث فُتِحت، على سبيل المثال، قنواتُ التواصل بين كل من تنظيم “داعش” في ليبيا و”بوكو حرام” في نيجيريا، وتنامت علاقات التعاون بينهما كخطوة يمكن أن تكون مقدمة لمشروع (جهادي) مهم ونشاط إرهابي كبير خلال المرحلة المقبلة، خاصة في كل من منطقتي شمال وغرب إفريقيا. وهذا التطور قد يفرض كذلك ضغوطًا كبيرة خاصة على مصالح الدول الغربية في المنطقة.

فمثل هذا الأمر، من شأنه أن يعمِّق مخاوف دول المنطقة من إمكانية تشكيل ذلك التحالف لحزام إرهابي يربط بين منطقتي شمال إفريقيا وغربها؛ علمًا بأن تنظيم داعش كان يسعى، ومنذ فترة، إلى السيطرة على أكبر مساحة جغرافية في المنطقة من أجل تمكين استراتيجيته القائمة في أحد جزئياتها على الدخول إلى منطقة شمال إفريقيا والتي تطلق عليها اسم “بوابة روما”؛ وذلك من أجل الضرب بشكل أقوى. وهو ما سيشكِّل خطورة كبيرة على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لبعض دول المنطقة، والتي غالبًا ما تُمثل الهدف المفضل لأية جماعة جهادية.

1. 3. مشكلة تأمين المنطقة: المخاوف والأسباب

أحيت سلسلة العمليات التي قامت بها جماعة بوكو حرام في الدول المطلَّة على حوض بحيرة تشاد مجموعة من المخاوف والمسائل المرتبطة بالأمن الإقليمي. هذا، بعد أن هيمنت في السابق قضايا الأمن الوطني على تصورات دول المنطقة ولفترة طويلة، مقوضة في ذلك مشاريع بناء أمن إقليمي يخدم في مخرجاته قضايا الأمن الداخلي لدول المنطقة. ومن بين أهم المخاوف المطروحة على الأجندة الأمنية لثالوث الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد، ما يلي:

أولا: ضم هذه الحركة لمجموعة مهمة (تقدر بالآلاف من المقاتلين).

ثانيا: احتمال حدوث تحالف في المستقبل القريب بين كل من حركة الإصلاح بـ(دلتا النيجر) وجماعة بوكو حرام في الشمال. وهو ما قد يؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق إنتاج النفط. الأمر الذي قد يحول المنطقة إلى معقل للجماعات المسلحة، ويتأكد هذا الأمر مع ترسخ عوامل الفساد والفقر المستشريين في غرب إفريقيا، واللذان يوفران ظروف تفريخ ملائمة للتشدد.

ثالثا: إعلان رئيس جماعة بوكو حرام التحاق جماعته بتنظيم القاعدة، وهو ما أثار مجموعة من المخاوف من أن تصبح المنطقة أفغانستان جديدة تأوي إليها كل التيارات الجهادية العابرة للقارات، على غرار القاعدة. لتتحول إلى منصة تنطلق منها لتهديد الأنظمة والدول المحيطة بالمنطقة.

رابعا: تكمن خطورة بوكو حرام في الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد في كونها مثيرة لنعرات الفرقة والانقسام بين النصارى والمسلمين: أي تعمِّق الفتنة الطائفية في كل دولة تعرف فيها الصراعات الدينية أو المذهبية شكلًا منتظمًا.