القضاء الإسباني يرفض استدعاء وزير الداخلية بسبب قرار ترحيل القصّر المغاربة في تحايل على القوانين والاتفاقيات الدولية

0
107

تتحايل السلطات الإسبانية على القوانين والاتفاقيات الدولية من أجل ترحيل قصّر مغاربة، دون مراعاة لإرادتهم أو بحث أحوال عائلاتهم، كما لم تنفذ وعودها بمساهمات تنموية اجتماعية واقتصادية في المناطق التي يهاجرون منها.  

في هذا الصدد، رفض القضاء الإسباني استدعاء وزير الداخلية “فرناندو مارلاسكا” في قضية ترحيل قاصرين مغاربة من مدينة سبتة المحتلة دون أساس قانوني.

وقالت صحف إسبانية في سبتة المحتلة، أن رئيس المحكمة الابتدائية رقم 2 في سبتة رفض استدعاء وزير الداخلية الإسباني كشاهد على طرد أطفال مغاربة، تمت إعادتهم إلى بلادهم بعد دخولهم إلى المدينة في أزمة الهجرة الجماعية.

وسبق لرئيس  ذات المحكمة أن أصدر تعليماته بفتح الدعوى في قضية تتعلق باستمرار المراوغة في طرد 55 مهاجرًا قاصرًا غير مصحوبين بذويهم إلى المغرب في غشت من العام الماضي.

وكان القضاء الإسباني قد حقق مع مندوبة سبتة السابقة سلفادورا ماتيوس بسبب موافقتها على إعادة الأطفال المغاربة خارج أحكام قانون الهجرة.

ودافعت ماتيوس عن إجراءات ترحيل قاصرين مغاربة، مؤكدة أنها تمت بعد اتفاق مع مسؤولين مغاربة، وبالاستناد على اتفاقية تجمع بين البلدين موقعة سنة 2007.

وحتى الآن، استمع القاضي إلى مندوبة حكومة سبتة، ومسؤولين محليين في المدينة، وسط انتقادات من منظمات المجتمع المدني الإسبانية المعنية بشؤون الهجرة، والتي اعتبرت أن ترحيل القاصرين المغاربة، إلى جانب أنه ينتهك حقوقهم، فإنه يخرق  التشريعات الوطنية الإسبانية والاتفاقيات الدولية. 

في الفترة ما بين 17 و20 مايو/أيار العام الماضي، تمكن نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي من ضمنهم مئات القصر من اقتحام السياجات الحدودية ودخول سبتة، حسب وزارة الداخلية الإسبانية، وبينما تمكنت السلطات من إعادة معظم المهاجرين على الفور إلى المغرب، ظل في المدينة حوالي 1500 قاصر وفقا لما قاله وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا في 18 مايو/أيار الماضي، بينما قدرت منظمة العفو الدولية، أعدادهم في 19 مايو  بـ 2000 قاصر، بحسب تصريحات رئيسة برنامج السياسات الداخلية والباحثة في الفرع الإسباني لمنظمة العفو الدولية فرجينيا ألفاريز.

وباشرت السلطات الإسبانية، في 14 أغسطس/ آب الماضي، ترحيل نحو 800 مهاجر قاصر على شكل مجموعات تضم كل منها 15 طفلا، بناء على اتفاق مع نظيرتها المغربية بالاستناد إلى اتفاقية موقعة بين الرباط ومدريد في 6 مارس/آذار 2007.

لكن العملية توقفت بعدما أمر من أحد قضاة غرفة المنازعات الإدارية رقم 1 بسبتة، في 16 أغسطس، بتعليق إتمام تنفيذ ترحيل 12 مهاجرا قاصرا، بناء على طلب تقدمت به نيابة عنهم المنظمة الحقوقية الإسبانية ” Coordinadora de Barrio”. 

وبلغ العدد الإجمالي للأطفال المغاربة في إسبانيا تسعة آلاف؛ أي ما يعادل 68 في المائة من مجموع القاصرين في مراكز الرعاية والاستقبال بـ”المملكة الإيبيرية” حتى عام 2019 بحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في حين تشير تقديرات جمعيات حقوقية مغربية إلى وجود نحو 20 ألف قاصر غير مصحوب في إسبانيا، بحسب ما أكده لـ”العربي الجديد ” رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية)، محمد بن عيسى.

ارتكزت مدريد على الاتفاق المغربي الإسباني لترحيل القاصرين من سبتة وإعادتهم الى المغرب رغم رفضهم العودة، وهو ما يصفه جمال الدين ريان، رئيس مرصد التواصل والهجرة، (منظمة غير حكومية في هولندا)، بـ “التحايل” على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية القصر، ويتفق معه الحقوقي الناشط في مجال الهجرة شكيب الخياري في حديث صحفي: “إسبانيا تحاول، منذ زمن طويل، التخلص قدر الإمكان من المهاجرين غير

ويوثق الخياري كيفية التحايل على اتفاق عام 2007 من خلال عدم الأخذ بعين الاعتبار رغبات القصر، والتحري حول وضعية أسرهم الأصلية بالمغرب، رغم أن القانون الإسباني يمنع ترحيلهم إذا ثبت أن الطفل القاصر يتعرض لمعاملة سيئة في وسطه الأصلي، أو أن ذويه لا يستطيعون توفير الشروط الأساسية لتعليمه”، لافتا إلى أن “هذه الشروط لا تراعى خلال البحث عن وضعية الطفل المهاجر، كما لا تشير التحريات إلى الظروف الحقيقية التي عاشها قبل مغادرته المغرب، وذلك قصد التخلص منه”.

وتخضع عمليات ترحيل القصر غير المصحوبين في إسبانيا تجاه المغرب لمقتضيات اتفاق 2007 والذي نص على أن السلطات الإسبانية تبت بمبادرة منها أو من الهيئة العمومية التي تمارس الوصاية على القاصر، في أمر عودته إلى بلده، في إطار الاحترام التام للتشريع الإسباني ومبادئ القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل.

غير أن الترحيل الجماعي للقصر والذي جرى في مايو الماضي، يعد خرقا للقانون الدولي للهجرة ولحقوق الإنسان؛ ولاتفاقية حقوق وحريات المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990، كما يوضح المحامي المغربي والخبير في القانون الدولي والهجرة، صبري الحو.

ويضيف: “بغض النظر عن الانتقادات الموجهة لاتفاق 2007، والتي جعلت المغرب لم ينشره أصلا، واشتكت اسبانيا مرارا من عدم تعاون السلطات المغربية لتنفيذه، فإن تأطير الترحيل بناء عليه طاوله أيضا خرق لمقتضيات هذا الاتفاق لأنه يتضمن شروطا دقيقة من قبيل تحديد هوية القاصر والتعرف على مكان إقامة والديه وإعلامهما وتقديم وثائق عن ذلك أثناء عمليات الترحيل، واحترام المصلحة الفضلى للطفل وتحت المراقبة القضائية”.

وتبقى عودة هؤلاء القصر، وفق رئيس مرصد التواصل والهجرة، “قسرية”، موضحا أنه في الوقت الذي تنص فيه اتفاقية دبلن، والتي تؤطر كل ما له علاقة بالحماية الدولية في دول الاتحاد الأوروبي، على أن”المصلحة العليا” للطفل هي مبدأ أساسي في أوروبا، نجد أن مدريد ” تتحايل على كل القوانين وتضرب بها عرض الحائط”.

ويردف قائلا: “من حيث المبدأ، لا تمكن إعادة القاصرين قسراً، وإعادتهم إلى بلدهم الأصلي تتحقق بشرطين أساسيين: موافقة القاصر، وأن يضمن القاضي، الذي يقرر، أن حمايته مكفولة في بلده الأصلي. مع الأسف، إسبانيا تخرق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989”.

جاء ترحيل القصر المغاربة رغم حكم محكمة العدل الأوروبية بداية العام الجاري، بمنع ترحيل القاصرين غير المصحوبين، إلا في حال تأكدت السلطات من وجود أقارب أو مؤسسة مناسبة ترعاهم في بلدانهم الأصلية، وهو ما يثير التساؤلات حول جاهزية مراكز الاستقبال، إذ تنص الفقرة الثالثة من المادة 5 من اتفاق 2007 على ضرورة أن “تتعاون السلطات المختصة الإسبانية والمغربية من أجل وضع إطار للاستقبال مجهز بموارد مادية وبشرية مؤهلة، عمومية أو خاصة أو صادرة عن منظمات غير حكومية تعمل في مجال حماية وترحيل القاصرين”. 

في حين تشير المادة 7 إلى أن الطرف الإسباني يمول عمليات حماية وعودة القاصرين، كما يساهم في تمويل مشترك للعمليات الوقائية، خاصة تلك التي تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تعرف نسبة عالية للهجرة. 

وتشرف على تنفيذ الاتفاق من الجانب المغربي وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأُسرة، وبالنسبة إلى الجانب الإسباني وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وبالفعل ساهمت إسبانيا في تمويل مركزين عام 2009 في كل من العروي بإقليم الناظور (شمال شرق المغرب) وبني ملال (وسط)، بقيمة 3.35 ملايين يورو كما دفعت الحكومة المغربية 540 ألف يورو، لكن منذ توقيع الاتفاق لم يتم تمويل إجراءات الوقاية مثل تقديم مساهمات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تعرف نسبة عالية للهجرة، وكل ما نفذته إسبانيا يتعلق بالترحيل، كما يورد الخياري.  

وتعتبر محافظات بني ملال وخريبكة (وسط المغرب) والناظور وطنجة (شمال المغرب) في مقدمة المناطق التي تعرف ارتفاعا في نسبة المهاجرين نحو أوروبا، ويزيد الناشط الحقوقي أن “المنظمة الدولية للهجرة، التي أُشركت في المشروع، طالما أكدت أن لا علاقة للمركزين بالقصر المزمع ترحيلهم، فيما صرحت إسبانيا بعد إحداث المركزين بأن الهدف هو استقبالهم، وهو ما يعني أنها تسعى إلى ترحيل هذه الفئة ولو باستعمال وسائل تحايلية”. 

لكن المحاولات الإسبانية تصطدم بتصميم الكثير من القصر على تكرار تجربة الهجرة، ومنهم أسامة والذي يقول: “والدي في حاجة إلى المال وأمي مريضة جدا. وأنا أكبر إخوتي وإذا لم أساعد عائلتي فلن يقوم أحد بالأمر. حتى لو تم ترحيلي سأكرر التجربة مرة ثانية وثالثة”.

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا