بنكيران يرد على تصريحات وزير العدل “تعالوا حاكموني، فأنا موجود وإن اقتضى الحال أن أذهب إلى السجن”

0
213

ما إن يتحدث رئيس الحكومة السابق، والآمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، عبد الإله بنكيران (2011: 2017)، في السياسة حتى تتصدر تصريحاته الصحف والمواقع الإخبارية ونشرات التلفزيون.

وبقدر ما تثير تلك التصريحات جدلا ونقاشا سياسيا، بقدر ما يساهم بنكيران (67 عاما) بشكل كبير في تحريك اللعبة السياسية، التي تبدو رتيبة أحيانا.

قال بنكيران، خلال أشغال المؤتمر الجهوي للحزبه بمراكش: “إن سياستي صعبة لأنه من الصعب أن يتبنى رئيس الحكومة قرارات كرفع الدعم وإصلاح التقاعد وقانون الإضراب”، متحديا من يحملون حكومتة السابقة مسؤولية الأوضاع في البلاد، وأضاف: “تعالوا حاكموني، فأنا موجود وإن اقتضى الحال أن أذهب إلى السجن”.

وأشار بنكيران  أنه :” لا يوجد في السجل السياسي المغربي أن حزبا اعترفا بأخطاءه واعتذر عنها كما فعل العدالة والتنمية، وأنا شخصيا قدمت اعتذاري، وأجدده الاعتذاري عن الأخطاء والمخالفات”.

ولفت إلى قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، “صحيح لا يمكن أن نوقع على ذلك الاتفاق ونخرج بين عشية وضحاها لمعارضة التطبيع، الذي كان يتجاوزنا، لأنه مرتبط بظروف الدولة ونحن حزب الدولة”.

وسخر بنكيران من بعض المنابر الإعلامية والصحفيين، قوله: “صحفيون أجمعوا على مقاطعتي ولكنهم مازالوا يكتبون عني، لكن على ما يظهر أن حليمة لا تريد أن تفارق عادتها القديمة”، وأقر بانه يطالع كل ما يكتب عنه لعله يقرأ ربما أشياء لا يعرفها عنه، “لربما أعلم عن وفاتي في ويدعونني إلى جنازتي” يضيف مقهقها كما هو معتاد أن يفعل.

وتابع بنيكران قوله، “إن إعلام هذه المرحلة يصورنا نحن الحكومة، وهم المعارضة” واستنكرا: “من يتحدث عن المشاكل التي نعيشها على أنها تركة الحكومتين السباقتين، هل هم أن نحن؟” يقصد أخنوش وأعضاء حكومته.

وعن نتائج الانتخابات والهزيمة، أشاد بالقيادة السابقة عندما تحملت مسؤوليتها، وهذا جديد في المغرب على حد قوله: “في عمري لم أتذكر أن قيادة في الحزب قدمت استقالتها، متحملة مسؤولية النتائج، أنا لا أتفق معهم على الطريقة، لأنه كان رأي أن يكتفي العثماني بالاستقالة، ولا أحد شكك في صدق وأمانة إخواننا رغم اختلافنتا معهم في مواقف سياسية كانت صعبة أو بالأحرى قاتلة”.

يمثل بنكيران رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمملكة، إذ قاد حزبه، للمرة الأولى في تاريخه، عام 2011، إلى تصدر الانتخابات البرلمانية، ليترأس الحكومة فترتين متتاليتين.

وبينما تراجعت أسهم الإسلاميين في المنطقة، تحت وطأة التحركات المناهضة لثورات “الربيع العربي”، قاد بنكيران حزبه مجددا إلى تصدر الانتخابات، عام 2016. 

إلى أيّ حدّ سينجح بنكيران في تحقيق تطلعات شباب حزبه الذي يرى فيه “الزعيم القائد”، القادر على العبور به من مرحلة الانكسار الحالية التي يعيشها على خلفية الهزيمة النكراء التي مني بها، وإعادة بنائه حتى يعود إلى تصدّر قيادة المشهد السياسي الحزبي في المغرب، كما كان عليه الحال طوال العقد الماضي؟

لكنّ بنكيران العائد ليس هو الزعيم الحزبي الشعبوي الذي وقف في وجه “الربيع العربي”، وعارض نسخته المغربية المتمثلة في حراك 20 فبراير (شباط 2011)، وقاد حزبه إلى الاصطفاف ضد ثورات الشعوب العربية، ما مكّنه من قيادة الحكومة المغربية ولايتين متتاليتين عشر سنوات مستمرة، وهو ما لم يتحقق لأي حزبٍ من قبله في تاريخ المغرب منذ استقلاله في نهاية خمسينيات القرن الماضي، فطوال العقد الماضي مرّت مياه كثيرة تحت الجسر، وتحوّل بنكيران، رئيس الحكومة السابق، إلى عدو الطبقات الفقيرة داخل المجتمع المغربي، بسبب قرارات حكومته غير الشعبية التي استهدفت قوت بسطاء وفقراء الناس وعيشهم. كما أن بنكران الذي حمل شعار محاربة الفساد عندما كان يقود حملة حزبه الانتحابية عام 2011، سرعان ما تحوّل هو نفسه إلى مستفيد من ريع السلطة وامتيازاتها التي ما زال يرفل في نعيمها، على الرغم من مغادرته منصبه الرسمي على رأس الحكومة منذ 2017. من دون أن ننسى أن خطاب حزب العدالة والتنمية، القائم على المرجعية الإسلامية، والمكتنز بشحنةٍ شعبويةٍ مفرطة، لم يعد يجد له صدى وسط الأتباع والمشايعين، وقد أبانت الانتخابات أخيرا، على الرغم من كل ما شابها من تجاوزات، أن الحزب فقد شعبيته داخل الأوساط التي كانت تعتبر خزّانا للأصوات التي تدغدغها الشعارات الشعبوية ذات الخلفية الإسلامية، أو تلك التي توظف المرجعية الإسلامية لاستمالة عطف الناس وأصواتهم. 

وبعيداً عن التشخيص، فإنّ مستقبل بنكيران مرتبط إلى حد كبير بمستقبل حزبه، وهذا الأخير مرتبط بمستقبل الإسلام السياسي الذي يمرّ اليوم بأزمة كبيرة، وعلى أكثر من مستوى، وفي أكثر من دولة عربية، على خلفية النكسات والهزائم والفشل الذي منيت به كل التجارب التي قادها في مصر وتونس والسودان والمغرب، فقد أثبتت كل هذه التجارب عدم قدرتها على صناعة الخلف والبديل داخل صفوفها، لذلك هي تستدعي دائما قادتها التاريخيين لقيادتها في مراحلها الصعبة.

كما أنّ عدم كفاءة عناصرها وقلة تجربتها أثرت على أدائها في السلطة التي استنزفتها، وأثرت كثيراً على شعبيتها داخل بيئتها الطبيعية. وأدّى عدم حسمها في الفصل ما بين جناحيها، السياسي والدعوي، إلى جلب انتقاداتٍ كثيرةٍ لها، وحتى عندما حاول بعضها التخلي عن ذراعه الدعوي لتحسين صورته في الخارج، بدا مثل بطّة عرجاء سرعان ما تعثرت في مشيتها، وكان سقوطها مدوّياً وإن اختلفت الأسباب من دولة إلى أخرى. وأخيراً، وليس آخراً، فإنّ عدم قدرة الأحزاب الإسلامية على القيام بنقد ذاتي قاسِ، والقيام بمراجعات فكرية حقيقية، سيؤدّي بها إلى التحوّل إلى أرقام سياسية عادية داخل المعادلات السياسية في بلدانها، أو قد يٌعجّل نهايتها، على الأقل، في شكلها الحالي، أحزاباً وحركات سياسية، لأنّ قيمها ومبادئها التي تتخذ من الإسلام مرجعية لها لن تموت، وستبقى ما بقي الإنسان على وجه الأرض، بما أنّ القيم والمبادئ مثل الطبيعة لا تموت ولا تخلق من جديد، وإنّما تتحوّل لتواكب عصرها وبيئتها. وفي حالة بنكيران، الذي بدأ بتشكيل فريق عمله من قدامى حزبه، ستكون المهمة أصعب، لأنّ القليل من التجارب هي التي نجحت في صناعة الجديد بما هو قديم، وتصبح عملية الإبداع هنا أكثر صعوبةً عندما يكون هذا القديم سبباً في المشكلات المطلوب تجاوزها.

وهبي حكومتا بنكيران والعثماني السابقتين تركت لنا “إرثا ثقيلا”