بوعياش تقدم تقرير يرصد معوقات النهوض بقطاع الصحة في المغرب.. لماذا غادر 14 الف طبيب المغرب أوروبا؟

0
110

في الوقت الذي يستعدّ فيه المغرب لإنجاح رهان تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة جميع المواطنين، ومحاربة العجز في مجال الأطر الصحية، كشفت دراسة حديثة أن أكثر من ثلثي طلبة الطب في المغرب يفكرون في الهجرة إلى الخارج لتوفر تكوين ذي جودة وظروف عمل أحسن ومن أجل حياة أفضل، مما يبعث على مخاوف كثيرة حول مستقبل قطاع الصحة في المغرب، وفق المختصين.

أرقام مخيفة، أكدها تقرير أجنبي دق ناقوس الخطر حول هجرة الأدمغة لا سيما الأطر الطبية. وكشفت المجلة الطبية البريطانية BMJ ، أن هجرة الأطباء ومهنيي الصحة المغاربة صوب بلدان أخرى تتواصل، متسببة في العديد من التبعات، الاقتصادية والصحية على حدّ سواء، إذ أن هجرة هذه النخب تكلّف المغرب ما بين 0.10 و 0.25 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يعادل ما بين مليار و100 مليون درهم ومليارين و767 مليون درهم في السنة.

وتقدّر مصادر صحية عدد الأطباء الذين هاجروا إلى فرنسا، على وجه التحديد، بأكثر من 8 آلاف طبيب.

في هذا السياق، افاد تقرير صدر عن االمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب (مؤسسة دستورية تعنى بحقوق الإنسان) بالرباط أمس حول الحق في الصحة بعنوان “فعلية الحق في الصحة بالمغرب… التحديات والرهانات ومداخل التعزيز”، رصد من خلاله معوقات النهوض بهذا القطاع.

وجاء في التقرير، أن تفعيل الحق في الصحة بالمغرب يواجَه بجملة من التحديات والاختلالات، أبرزها ضعف التمويل الصحي الذي يعدّ ركناً أساسياً لتفعيل الحق في الصحة. وأشار إلى أن الميزانية المخصص للقطاع ما زالت تتراوح بين 6 في المائة و7 في المائة من الميزانية العامة للدولة عوض 12 في المائة الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية أو مقارنة مع دول أخرى.




وحسب معطيات أوروبية، أن كلفة تكوين طبيب في أوروبا تصل إلى 330 ألف يورو إلا أنه في المغرب يهاجر تقريبا ما بين 600 إلى 800 طبيب سنويا إلى الخارج بشكل مجاني، لافتا إلى أن هذا الظاهرة تنتشر في دول شمال أفريقيا كمصر والجزائر وتونس.

كما توقف التقرير عند النقص الكبير في عدد الأطر الصحية، حيث يعمل في المغرب 23 ألف طبيب، في حين تحتاج البلاد إلى 32 ألف طبيب إضافي، حسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية. كما أن المنظومة الصحية في حاجة كذلك إلى ما يزيد على 65 ألفاً من مهنيي الصحة. 

ومن المعوقات أيضاً غياب مسار علاجات منظم وواضح، فضلاً عن إساءة استخدام الموارد البشرية غير الكافية أصلاً، فالمسار غير الواضح للعلاجات “يؤدي إلى ضياع فرص ثمينة للتشخيص والعلاج في الوقت المناسب”؛ مما يؤثر سلباً على صحة وحياة الأفراد.

وتوقف التقرير أيضاً عند تحمل الأسر المغربية بشكل عام أكثر من 50 في المائة من المصاريف الصحية بشكل مباشر، وأكثر من 63 في المائة إذا تم احتساب مساهمة الأسر في التغطية الصحية، وهو ما يشكل “عائقاً حقيقياً أمام المواطنين للولوج إلى العلاج” ويساهم في انزلاق نسبة مهمة من السكان سنوياً نحو الفقر والهشاشة.

وبالمقابل، سجل التقرير نزيف هجرة الأطباء والأطر الصحية، حيث تقدر الإحصائيات، أنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون بالمغرب، هناك ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون ببلاد المهجر، وخصوصاً بالبلدان الأوروبية وهو ما يجعل واحداً من كل ثلاثة أطباء مغاربة تقريباً يمارس عمله بالخارج.

وأفاد المجلس بأنه تم إعداد هذا التقرير باعتماد “مقاربة قائمة على حقوق الإنسان في تقييم السياسات العمومية”، واقتناعاً من المجلس بالأهمية القصوى للحق في الصحة باعتباره حقاً يؤثر في قدرة المواطنين على التمتع بحقوقهم الأخرى ويتأثر بها، في إطار مبدأ عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة، إلى جانب وعي المجلس بضرورة اغتنام الفرص التاريخية التي وفّرتها جائحة «كوفيد – 19» لإحداث تحولات نوعية في مقاربة الصحة كخدمة عمومية تقع في صلب حماية الأمن والسيادة الوطنية.

ويقترح التقرير تعزیز حكامة قطاع الصحة من حيث تدبير البنيات الاستشفائية والموارد البشرية، والمالية، وتعزيز حكامة الصناعة الدوائية الوطنية. ويدعو إلى تبني نظام صحي قائم على الرعاية الصحية الأولية لمواجهة إشكالات وكلفة المقاربة الاستشفائية الباهظة، مع إيلاء أهمية خاصة ومتجددة للفئات الهشة خاصة الأم والطفل، الصحة الإنجابية والجنسية، وللأشخاص في وضعية إعاقة والمسنين والمهاجرين واللاجئين.

ويعد التقرير ثمرة لقاءات وطنية وجهوية ومقاربة تشاركية سمحت بإشراك مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمهنيين والخبراء والباحثين المعنيين بالحق في الصحة، واقتراح حلول عملية وقابلة للتطبيق ومنسجمة مع الخصوصيات الجهوية والمحلية الكفيلة بالمساهمة في تعزيز الحق في الصحة لجميع المواطنات والمواطنين.

وكان المجلس قد أطلق في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 مشروع “فعلية الحق في الصحة بالمغرب: نحو نظام صحي يرتكز على المقاربة القائمة على حقوق الإنسان»؛ بهدف الترافع من أجل «وضع استراتيجية صحية وطنية مندمجة، دامجة ومنسجمة، قادرة على ضمان الحق في الصحة للجميع”.

وتعليقا على هذه الأرقام ، قال الدكتور محمد زكيري، الكاتب الجهوي للجامعة الوطنية لقطاع الصحة بجهة الدار البيضاء-سطات، هجرة الأطباء المغاربة نحو الخارج لضعف الأجور وافتقاد المستشفيات للإمكانيات اللازمة والنقص الحاد في الموارد البشرية.

وأكد أن “الطبيب الذي يدرس لمدة ثمان سنوات بعد الباكالوريا، ويتخرج كطبيب عام، يتقاضى حوالي 8 آلاف درهم (نحو 800 دولار) كأجر في الوظيفة العمومية، وأعلى راتب يمكن أن يبلغه الطبيب المتخصص هو 22.600 درهم (نحو 2200 دولار)، أما الأطر الإدارية فلا تتجاوز تعويضاتها عن المداومة الليلية 600 درهم (60 دولارا) في الشهر. وهذه أجور هزيلة مقابل قيمة العمل الذي يقدمه هؤلاء الأطر، خصوصا خلال الجائحة”.

وفي هذا الصدد، قال زكيري إن المنظومة الصحية بالمغرب أصبحت في خطر “أمام الوضعية الراهنة لهجرة الأطباء والنقص الحاد في عددهم”، داعيا لتوفير الإمكانيات في المستشفيات والمؤسسات الصحية والرفع من الأجور وتقديم تحفيزات مالية حتى يتسنى لهؤلاء الطلبة البقاء في بلادهم.

وأشار إلى اعتماد شراكة بين القطاع العام والخاص في الصحة تتيح فتح المجال لأطباء القطاع العمومي للاشتغال في القطاع الخاص بعد إنهاء دوامهم وبشروط معينة، وكذلك الأمر بالنسبة لأطباع القطاع الخاص. 

تعترف الحكومة المغربية بمحدودية المنظومة الصحية الحالية. ففي جواب كتابي لوزارة الصحة على أسئلة النواب داخل قبة البرلمان، بتاريخ 26 أبريل 2021، حول استعدادات المغرب لتعميم التغطية الصحية الشاملة، لم تُخف الوزارة وقوفها على عدد من الإشكالات التي تواجه القطاع، مؤكدة “تعاقب مجموعة من الإصلاحات التي عرفتها المنظومة الصحية دون إحداث نقلة حقيقية وبلوغ الأهداف المنشودة”.

كما أشارت الوزارة، في بيان سابق، إلى النقص المزمن في الموارد البشرية، وغياب التوازن الجهوي في توزيعها: إذ تعرف الوضعية الراهنة عجزاً بنيوياً كمّياً ونوعياً في مهنيي الصحية بحاجيات تصل إلى 97.566، (32.522 من الأطباء و65.044 من الممرضين) حيث لا تتعدى الكثافة الحالية 1,7 إطار طبي لكل ألف نسمة، مما يعني أن هناك خصاصاً مُهولاً في الموارد البشرية، حسب الأرقام الرسمية.

واستطردت الوزارة في معرض جوابها مؤكدة “عدم تكافُؤ العرض الصحي الذي لا يستجيب لتطلّعات المواطنين، إذ يتميز عرض العلاجات الصحية بضعف مؤشّرات الولوج، ووجود فوارق بين الجهات وبين الوسطين القروي والحضري، وكذا تقادم البنيات التّحتية وضعف سياسة الصيانة، وعدم احترام معايير الخريطة الصحية في إحداث المؤسسات الصحية العمومية، وغياب التّحفيزات من أجل جلب القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في المجال الصحي وفقا لمعايير الخريطة الصحية.

وسجلت الوزارة في السياق ذاته، محدودية تمويل القطاع الصحي الذي يعتمد، بشكل رئيسي، على المساهمة المباشرة للأسر التي تصل إلى 50,7% وهو رقم مهول بالمقارنة مع توصيات منظمة الصحة العالمية.

 

 

غالي: المخطط الأخضر أعطى الضربة القاضية للأمن الغذائي بالمغرب.. أحلام أخنوش تتبخر!