تجدد الانتقادات لـ “رداءة المسلسلات والبرامج الرمضانية في المغرب”.. لا جودة ولا ترفيه ومحتوى “متكرّر”؟!

0
133

مثل كل عام، يكثر الحديث عن الأعمال الرمضانية المقدمة على الشاشة المغربية. وككل سنة أيضًا، يُقسِم التلفزيون المشاهد إلى فريقين: الأول يرضى بالعرض المقدم له، والثاني يبحث عن اختيارات أخرى لتعويض نقص الإنتاجات المحلية، ويشتكي معظمهم من ازدياد مستوى رداءة تلك الأعمال عاماً بعد عام. ومع توالي انحدار مستوى محتوى برامج رمضان، يزداد عدد المشاهدين الذين يقاطعون قنواتهم المحلية ويتجهون إلى القنوات الأجنبية، على الرغم من أنهم يفضلون مشاهدة أعمال محلية ذات مستوى جيد.

يعرف رمضان هذا العام سخطًا كبيرًا من قبل المتابعين للأعمال الدرامية والبرامج، يبرز عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لم ترق الأعمال الرمضانية كما يتضح، لتطلعات المشاهد المغربي الذي أصبحت أمام اختيارات أخرى من قنوات تلفزية عربية ودولية، وبرامج تعرض محتواها على يوتوب أو حتى فيسبوك. واعتادت القنوات التلفزيونية المغربية على برمجة خاصة بشهر الصيام للعرض خلال أوقات الذروة التي توافق موعد الإفطار بعد آذان صلاة المغرب، وتستمر لساعات.

وتتنافس القناتان الأولى والثانية على جذب المشاهدين المغاربة خلال هذه الفترة من خلال التنويع في البرامج والإنتاجات المعروضة بين الدراما والكوميديا والسيتكومات والكاميرا الخفية وغيرها. كما تتنافسان في ضمان ظهور أشهر الممثلين المغاربة على شاشتيهما خلالها رمضان.

وفيما يعتبر عدد من المتابعين أن هذه الانتاجات تعد فسحة ترفيه حول مائدة الإفطار بعد يوم صوم طويل، يصف آخرون ما تعرضه القنوات التلفزيونية المغربية بـ”الرديء والمتكرر”، والفاقد للذوق والإبداع.  لكن هذه الإنتاجات تجذب الملايين من المتابعين، وفق نسب المشاهدة المعلن عنها منذبداية الشهر.

تكرار الإنتاجات السابقة

ويقول الناقد السينمائي المغربي، عبد الكريم واكريم، إن ما تم عرضه منذبداية رمضان هو تكرار لما كان عرض خلال السنوات الماضية، خصوصا فيما يتعلق بالأعمال الكوميدية والسيتكومات “التي تبقى دون المستوى رغم الملاحظات التي توجه لها من النقاد والمتخصصين وأيضا الجمهور الواسع الذي أصبح واعيا بأن هذه الأعمال دون المستوى”.

وتابع واكريم في حديث لـ”أصوات مغاربية”، أن مستوى المتلقي المغربي أعلى من الأعمال التي تفرض في ساعات الذروة ويفضل أن يرى نفسه في التلفزيون، مضيفا أن عددا من المغاربة “يهاجرون إلى القنوات العربية الأخرى لأن الأعمال الكوميدية المغربية لا تعبر عنهم”.

في المقابل، يرى واكريم أن مستوى الأعمال الدرامية المغربية يبقى متفاوتا، لكن تلك الأعمال تبقى أدنى من الأعمال المصرية والسورية، مضيفا أن “الانتقادات والملاحظات حول هذه الأعمال تتكرر كل سنة ولا يوجد عمل فني يبهر أو بذل فيه مجهود كبير”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن النقص الكبير الذي تعاني منه الدراما المغربية يتمثل في كتابة السيناريوهات، موضحا أنها “تبقى أهم العناصر، لكنها في أغلب الأحيان تكون ضعيفة في هذه الأعمال الرمضانية”.

توقعت القناة الأولى والثانية ارتفاع نسبة المشاهدة في الموسم الرمضاني، بعدما سجلت نسب الإقبال على القنوات التلفزيونية المغربية ارتفاعا ملحوظا مطلع السنة الجديدة، قدرته الحصيلة الجديدة لقياس نسب المشاهدة في المغرب بـ3.7 في المئة خلال أوقات البث العادية، و2.7 في المئة وقت الذروة.

وفي إطار المنافسة بين القنوات المغربية حرصت القناة الثانية هي الأخرى على تنويع برمجتها لشهر رمضان لاستقطاب المشاهد من خلال تقديمها للجديد في الإبداع الفني الكوميدي والدرامي الذي نجحت فيه في المواسم الماضية.

ويقول المدير العام للقناة الثانية سليم الشيخ “إنّ شهر رمضان مناسبة مميزة لنقدم للجمهور إنتاجات مختارة بعناية وتعرف مشاركة أبرز الوجوه الفنية على المستوى الوطني، كما حرصنا على مواكبة الأنماط الجديدة للاستهلاك التلفزي، من خلال بث البرامج تلفزيا، وكذا على المنصات الرقمية للقناة الثانية، برمجة غنية، متنوعة وذات جودة عالية”. 

تطرح الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية (المؤسسة المسؤولة على القنوات العمومية) طلبات العروض الخاصة بالأعمال الرمضانية -كما خارج رمضان- فتتنافس عليها شركات الإنتاج أمام لجنة الدعم، للحصول على عمل أو اثنين، وفقا لمعايير مهنية وفنية وإدارية. ورأى الناقد الفني والسينمائي المغربي، مصطفى الطالب، أن حصة الأسد غالبا ما تكون لكبريات شركات الإنتاج التي تستحوذ كل سنة على الصفقات. وهكذا نشاهد الأعمال الفنية التي وافقت عليها اللجنة وغالبا ما تهيء في فترة وجيزة.

وتساءل الطالب في حديث سابق: إن “كانت اللجنة تتحمل المسؤولية لوحدها؟ قبل أن يستدرك، طبعا لا، فإدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والهاكا (الهيئة العليا للسمعي البصري) أيضا يتحملان المسؤولية في ما يعرض أحيانا من رداءة الأعمال الرمضانية، وخاصة ما يتعلق التي تتسم بالارتجالية وغياب العمق (رغم بعض الجهود على مستوى الإخراج)”.

واعتبر الناقد الفني، أن تطلعات المشاهد المغربي خلال شهر رمضان في مشاهدة أعمال ذات قيمة فنية خاصة الأعمال التاريخية والدينية والأدبية التي لم نعد نراها على شاشاتنا، وهذا في ظل منافسة القنوات العربية والأجنبية الأخرى التي تبث أعمالا درامية متميزة تستقطب المشاهد المغربي.

بالتالي مسلسل الإبداع الفني هو تظافر جهود المجموعة ككل. هناك أسباب كثيرة لتردي المنتوج الفني تروج دوما، لعدم تقديم أعمال رمضانية في مستوى تطلعات المشاهدين، من بينها عدم التحضير الجيّد لها، إذ لا يبدأ العمل عليها إلا على بعد ثلاثة أشهر من قبل القناة، أو من قبل شركات الإنتاج المنفذة. فمن أجل أعمال جيدة، لا بد أن تأخذ مدة كافية لمرحلة الإعداد، من أجل سيناريو جيد وطاقم في المستوى وتصوير في ظروف جيدة، فعادة ما يتحجج القائمون على إنتاج الأعمال الفنية، على الضغط في إنجاز الأعمال، وعلى قلة الدعم الكامل وضعف الموارد المالية اللازمة. فضغط الآجال التي يحددها دفتر التحملات لا تساهم في تحضير سيناريو جيد، إذ يتم تقديم خمس حلقات من العمل الفني عند طلبات العروض، وفي حال قُبل المشروع، تُنفّذ الحلقات المتبقية بسرعة ينتج عنها ارتجالية. ويفسر الكثيرون عدم انتهاء الأطقم الفنية من تصوير أعمالها، أو الانتهاء منها في مثل هذه الظروف، يرجع لإشكالية الدعم العمومي وطلبات العروض التي تتأخر، ما يشكل هاجسا سنويا أمام المنتجين للإسراع بالتصوير على حساب الجودة أحيانا. كما أن الثورة الرقمية، تجاوزت الكثير مما يقدم على التلفزيون، حسب بعض المتتبعين، ففيها أيضا تقدم أعمال وبرامج يجد فيها بعض المتتبعين، ملاذا بعيدا عن أعمال القنوات، أو الهروب إلى قنوات عربية أخرى. 

في الوقت الذي تصر فيه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على أنها تسعى لتحقيق تراكم كمي ونوعي في مجال الدراما، بتوفير ميزانيات كبيرة لإنتاج أعمال بجودة عالية، شدد الطالب على أن البرامج الرمضانية لا تحقق كلها نسب مشاهدة عالية، وإذا حققت بعضها ذلك فلا يعني نجاحها.

بدورها أصدرت مؤسسة “ماروك ميتري” الخاصة بقياس نسب المشاهدة في المغرب، تقريرا يكشف مدى إقبال المشاهدين على متابعة الأعمال الرمضانية الكوميدية، إذ سجلت إحداها أكثر من 12 مليون و569 ألف متابع في الأيام الأولى من رمضان.

الناقد الفني يعزو ذلك لتزامنها مع وقت الإفطار الذي تجتمع فيه العائلة المغربية لمشاهدة ما تقدمه قنواتها، وغالبا ما تستهوي هذه الأعمال الأطفال واليافعين، وإلا فجل الأسر المغربية لها همومها وقضاياها اليومية و”متخومة” من تلك الأعمال التي لا تراعي شعور المواطن ولا خصوصية رمضان الدينية، فضلا عن أنها مشغولة برمضان وطقوسه الروحية من صلاة ومجالس ذكر وتفقه في المساجد، فكيف سيشاهدون كل تلك الأعمال؟

وعقّب مصطفى الطالب، بأن نسب 4 أو 6 ملايين مشاهد للبرنامج لا تعني شيئا في مجتمع تقدر نسبته بـ 38 مليون، في عصر الثورة الرقمية، فاليوم بلغة العصر يمكن لفيديو أو لأغنية أن تحقق الترند على “يوتيوب” لتصل إلى أكثر من 6 ملايين مشاهد.

وعليه فمسألة نسب المشاهدة أو نجاح عمل ما تظل نسبية، بحسب الناقد، الذي اعتبر أن “يوتيوب” هو الذي يحقق أعلى نسبة مشاهدة ويهدد وجود التلفزيون، لأنه دائما يقدم الجديد للمشاهد ويلبي حاجياته وفضوله وينمي حاسته النقدية.

 كيف يمكن إيقاف ذلك؟ قال مصطفى الطالب، إن هذا رهين بإرادة المسؤولين في التغيير وفي الرفع من ذوق المشاهد وفي احترام ذكائه ومشاعره، وفي جعل التلفزيون أداة لبناء الإنسان حضاريا وثقافيا وعلميا وأداة للتفكير في مستقبل المجتمع والأجيال الصاعدة وانتشالها من الضياع واللامسؤولية والهدر بشتى تجلياته، ولاسيما في ظرفية عالمية متوترة يعرف فيها الوطن العربي تمزقا وتخلفا وحروبا داخلية تؤثر على وجوده ومستقبله.

وتابع الناقد الفني: الأمر رهين أيضا بانخراطهم في رفع تحدي المنافسة المهنية والفنية التي تفرضها قنوات الساتلايت الأجنبية التي توفر للمشاهد حرية الاختيار وبرامج عديدة، فالبقاء للأصلح وليس للرداءة والارتجال. ورهين بمدى وعي المنتجين والمخرجين والفنانين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم أمام المجتمع وأمام التاريخ.

لم ينف الدكتور في علم الجماليات، أن هذه الأعمال هي مستوحاة من حياة المغاربة اليومية وأنها تشبههم إلى حد بعيد. مشددا على أنها، ربما لا ترقى إلى ذائقة بعض المثقفين وبعض الصحفيين وجزء من الطبقات الوسطى التي تملك وسائل الاطلاع على تجارب دولية؛ لكنها تعكس صورة لجزء مهم من مغاربة اليوم.

وضرب الأستاذ الجامعي مثلا بما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي وكيف أن الأشياء “التافهة” كما تسميها عدد من وسائل الإعلام، غزت الفضاء الافتراضي ولديها زبائن، وأردف مؤكدا: “جزء كبير من هؤلاء هو أيضا زبون لما تقدمه التلفزة”.