دراسة ميدانية 44 % من المغاربة يرفضون أي تعديل في نظام الإرث

0
260

المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث مطلب قديم يتجدد بين الحين والآخر، وهو مطلب استشراقي في منشئه كما ذكر كولسون في كتابه الميراث في الأسرة المسلمة وكذلك جولدتسهير وسميث، ثم تبعهم نصر حامد أبوزيد وحسن حنفي والتيار الحداثي بشكل عام، وبالجملة فهناك قرابة 10 مسائل كل من يتحدث عن التجديد لابد أن يطرحها في مقدمتها المساواة في الميراث.

كشفت دراسة ميدانية حول نظام الإرث في المغرب، عن رفض 44 بالمائة من عينة البحث المكونة من 1200مشاركا، أي تعديل مدونة الأسرة المتعلقة بنظام الإرث
فيما تبلغ نسبة المؤيدين 36 بالمائة، بينما لم تعبر نسبة 20 % من المستجوبين عن أي رأي

الدراسة، أنجزتها جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية بشراكة مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان حول نظام الإرث في المغرب: ما هي آراء المغاربة؟

سيتم تقديم نتائجها يوم الثلاثاء المقبل بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال الرباط ابتداء من الساعة التاسعة صباحا

تهدف الدراسة حسب بلاغ صادر عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إلى المساهمة في النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة، الذي أصبح يضيف ذات البلاغ مطلبا للحركة النسائية ومنظمات حقوق الإنسان المغربية منذ اعتماد دستور 2011، ورفع التحفظات على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بها

يذكر أن نظام الإرث أثار جدلا سنة 2015، حينما أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا يتضمن توصية حول المناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث

التقرير تم التصدي له من قبل معارضي أي تعديل في نظام الإرث، كان من أبرزه ما صرح به حينها عبد الإله ابن كيران، وهو رئيس للحكومة، حيث اتهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيسه حينها إدريس اليزمي بـ إثارة الفتنة.

ابن كيران اعتبر ضمن حوار تلفزي أن الإرث دينا وليس سياسة، وبأن الله تعالى حسم الموضوع بقوله يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين. 

النص الذي قرر أن المرأة ترث نصف الرجل ليس نصا أو قاعدة عامة في الميراث وإنما في حالتين اثنتين فقط: الأولي: في حالة ميراث الأبناء والبنات إذا ورثوا بالتعصيب، فيكون للذكر ضعف حظ الأنثى، يقول تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” النساء: 11. الثانية: في حق ميراث الإخوة والأخوات، يقول تعالى: “وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” (النساء: من الآية176)، ومن درس الفرائض والمواريث يعلم أن هناك عشرات الحالات التي ترث فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أوترث ولا يرث. وهذا النص قطعي الدلالة يعني أن دلالة ألفاظه لا تحتمل سوى تفسير واحد. وهذا الموضع هو الذي تنطبق عليه القاعدة الأصولية: لا اجتهاد مع النص، أي: لا اجتهاد في معارضة النص قطعي الثبوت والدلالة، وإنما الاجتهاد في تطبيقه وتنزيله والقياس عليه.. إلخ.

القول بالمساواة يلزم منه تغيير المنظومة بكاملها، منظومة الإرث والأسرة، فتقرير عدم العدل في صورة لعدم تساوى الأنصبة بين الرجل والمرأة، يلزم منه وجوده في كل الصور التي تختلف فيها الأنصبة، كما يجب طرد المساواة في ملف الأسرة بكامله في المهر، والحضانة، والنفقة وهكذا. تأسيس المطالبة بالمساواة على اختلاف وضعية المرأة في عصرنا من حيث عملها ودخلها وإنفاقها، يعني تغيير سبب الإرث وتعديله من القرابة كما حددها الشرع إلى التنمية أو العمل، وعليه فلابد من تعديلات أخرى في المنظومة حسب دعوى التنويريين فيُحرم المعاق والطفل مثلا من الإرث؛ لأنه لا يعمل ولا ينتج مثل المرأة اليوم! والقول به يعنى العودة إلى الجاهلية فقد حرموا الأطفال من الميراث؛ لأنهم لا يقاتلون، ثم جاء الإسلام فأعطى الطفل بمجرد الاستهلال أي الصراخ عند الولادة. 

وظيفة الإجماع الأصولي -إذا ثبت بشروطه- كدليل من الأدلة النصية المتفق عليها، نقل الأحكام من الظنية إلى القطعية، ونفي الاحتمالات الواردة على النص، ولهذا شُرط في المجتهد أن يعرف المسائلَ المجمع عليها، حتى يُخرجها من حسابه في الاجتهاد والنظر. فإذا أجمع الفقهاء قديما وحديثا على حرمة زواج المسلمة من الكتابي، أو على أنصبة الوارثين رجالا ونساء، فدائرة الاجتهاد والنظر في الحُكمين أُغلقت بالإجماع السابق، وانحصر الاجتهاد في فهم فلسفة الحكم وحكمته، وكيفية تنزيله في الواقع، لا في نقضه وتغييره، ولهذا فإن بعض الأصوليين قدَّم الإجماع كدليل على الكتاب والسنة، والسبب أنه اعتمد في مستنده على الكتاب والسنة، لكن بحث ونظر واجتهاد في دلالة النص على الحكم. والقضايا الإجماعية المستقرة على الأقل نظريا في تاريخ الأمة تمثل الثوابت التي لا يجوز الخروج عليها، وهي تجسد الوحدة الفكرية والشعورية والعملية للأمة وتعصمها من التفكك والذوبان. 

عندما يقول الله عز وجل في آيات المواريث: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) } [النساء: 11]، ويقول: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12]، ويقول {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13، 14]، ويقول: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، ويقول: “يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله أعطى كل ذي حق حقه” بعد كل هذا البيان والتأكيد والتشديد يأتي من يقول: إن الحكم لا يناسب عصرنا ولابد من المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث! هذا اتهام للشريعة بالنقص، وللمولى الجليل بالظلم وعدم العدل، أفكلما غابت عنا حكمة تشريعية، أو بعداً فلسفياً لحكم من الأحكام نادينا بإلغائه، وطالبنا بتعديله؟! على أن التوارث قائم على فلسفة مقاصدية ومصلحية، وقد فتح بابها وبين بعضها الدكتورين: محمد عمارة، وصلاح سلطان، ويقيني أن الدراسة الفلسفية المتعمقة لمنظومة الإرث في الإسلام ستنتج تصورات مذهلة عندها سيرتد بصر المطالب بالمساواة خاسئاً وهو حسير. 

لقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم الفرائض، واختص بإتقانها وإجادتها بعض الصحابة كزيد بن ثابت، وجاءت آياتها حاسمة قاطعة لمنع التبديل والتحريف والتغيير بمرور الزمن، ولمنع التنازع والتقاتل والاختلاف بشأنها، وهي من الأحكام النادرة التي فُصلت تفصيلا دقيقا وشاملا محكما في القرآن الكريم. لقد كشف الجدال بشأن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث عن خلل كبير في خطابنا الديني، ومناهج وعمل مؤسسات ومعاهد التعليم الشرعي في العالم العربي والإسلامي في مقدمتها الأزهر الشريف الذي عارض توجه المساواة بوضوح؛ إذ لم تنجح هذه المؤسسات في تحصين المسلمين ثقافيا، وتوعيتهم إلى ثوابت ومحكمات دينهم، بالبيان المقاصدي والفلسفي المعمق، وجاءت مناهج الفقه والمواريث خالية من بيان المقصد والعلة والحكمة، فلاقت تلك الدعوات قبولا عند شرائح من الناس، ومن الطريف أنه لم يخل بيان علمائي رافض للمساواة من الاستشهاد بما أنتجه الدكتورين العالمين: محمد عمارة، وصلاح سلطان وهما ليسا بأزهريين! 

وتجدر الإشارة إلى أن موضوع الميراث عرف طريقه إلى النقاش عام 2015 في المغرب، لَما طرح المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا يتضمن توصية حول المناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث. ولاقى التقرير حينها نقدا لاذعا، كان أبرزه ما صرح به عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية حينذاك، إذ اتّهم المجلس ورئيسه بـ”إثارة الفتنة”. وعلل بنكيران موقفه هذا، ضمن حوار بث على “قناة ميدي 1 تي في” المغربية حينها، معتبرا أن “الإرث دينا وليس سياسة، وبأن الله تعالى حسم الموضوع بقوله “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين.”