قرارات غير مدروسة..وزارة التربية الوطنية والتعليم تلجأ لعمال النظافة وحارسات المدارس لمراقبة اختبارات أساتذة “التعاقد” ( كاتب عام بالوزارة لربع قرن؟؟)

0
134

لا يستطيع أحد أن ينكر أو يشكك باإلرث التربوي لوزارة التربية والتعليم ، هذه الوزارة التي حفرت في قلوب وعقول أبناء الوطن صورة ناصعة البياضعّز مثيلها. ولكن هذه الصورة بدأت تتغير وتسّود من خالل اتخاذ بعض القرارات المتسرعة وغير  المدروسة ،   كاالإمتحان التحصيلي للولوج إلى المراكز الجهوية للتربية والتكوين، غذاً الأحد،فقد أُمَرّ هذا الامتحان بوقت غير مناسب لا تخطيطا ولا تنفيذاً، فقرار بمثل هذا الحجم يمس مئات الأساتذة بحاجة ماسة لتخطيط وتنظيم بدرجة عالية من الجدقة والاحترافية ، ولكن المتابعة لهذا يجد أن توقيت هذا الامتحان أقر بجلسة عائلية، أو عبر الهاتف (كالعادة). وهذا يتجلى في إدارة هذا الامتحان لاساتذة التعاقد بدءاً بإقراره يوم عطلة أسبوعية ومرورا بالتسيب والفوضى التي تشهدها الوزارة منذ تعيين الوزير الجديد، والبقاء على كاتب عام لأكثر من ربع قرن؟؟!!

فيما عبر أعوان الحراسة والنظافة بالمؤسسات التعليمية، في مراسلة وجهها المكتب النقابي لأعوان الحراسة والنظافة بالمؤسسات التعليمية، عن اعتراضهم على استدعاء المديرية الإقليمية لهم لحراسة مباراة ولوج التعليم المزمع تنظيمها يوم غد الأحد.

وشدد المكتب النقابي التابع للاتحاد المغربي للشغل، عن رفضه حراسة المباراة، باعتبار أن يوم الأحد هو يوم عطلة أسبوعية لأعوان الحراسة والنظافة بالمؤسسات التعليمية، بالإضافة لعدم استفادة الأعوان والمنظفات من أي تعويض مقابل مهمة الحراسة.

وتقاطرت البلاغات التنديدية من طرف مختلف النقابات التعليمية بجهات ومدن المغرب، والتي اشتركت جميعها في رفض تحويل يوم العطلة الوحيد لرجال ونساء التعليم إلى يوم عمل وتكليفهم بالحراسة.

وأدانت النقابات هذا الإجراء الذي يهدف حسبها إلى النيل من حقوق ومكتسبات الشغيلة، وطالبت الوزارة الوصية بإقرار تعويضات عن الأعباء الإضافية.

وفي ذات الصددت راسلت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى لمطالبته بتغيير تاريخ الأحد لإنجاح المباراة، معتبرة أنه من غير المقبول أن يشتغل الأساتذة طوال الأسبوع ودون عطلة.

وإلى جانب ذلك تتعالى أصوات شغيلة القطاع لمقاطعة هذا التكليف باعتباره مسا بالحقوق المكتسبة، مع تجديد التأكيد على رفض التعاقد، والمطالبة بالاستجابة للملفات المطلبية لشغيلة القطاع، ووقف الاحتقان.

في سياق متصل ، قام وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى ، بزيارة الوحدة المدرسية السهيب التابعة لمجموعة مدارس أومناست بالجماعة القروية تامصلوحت التابعة لإقليم الحوز . الزيارة الميدانية أراد منها الوزير تفقد مرافق الوحدة المدرسية والاطلاع على أوراشها التربوية وخاصة أنشطتها الرياضية.

في شريط مصور يوثق لتلك الزيارة، وقف التلاميذ الأطفال بزي رياضي أنيق وموحد في استقبال الوزير، وما أن توجه الوزير لمصافحتهم حتى بادر إلى سؤال طفل من المجموعة: « كتمارس الرياضة؟ الفوت؟ يعني الكورة؟

رد التلميذ بعفوية وتلقائية: « لا.. والو»  ليتدخل مدير الوحدة المدرسية: « كيديرو شي حركات رياضية سيدي الوزير».

الوزير تلقى الجواب الصادم من تلميذ عرى واقع الحال بعفوية وبتلقائية.

الرياضة غائبة عن مؤسساتنا التعليمية خاصة منها الموجودة في المناطق البعيدة عن الأضواء،بالرغم من الميزانية التي رصدتها الوزارة الوصية للرياضة المدرسية والقاعدية.

جواب التلميذ يؤكد في نفس السياق، أن الوزارة الوصية على الرياضة،فشلت، في تحقيق جملة من الأهداف التي كان الوزير قد حددها في تصريحه أمام البرلمان بعد تعيينه وبعد أن تم دمج الرياضة في وزارة التربية الوطنية،وهي الأهداف التي قال أنها تخص برنامج الرياضة للعموم، وتتعلق بالانفتاح على الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من أجل الشراكة والمساهمة في بناء وتدبير وتنشيط مرافق رياضية للقرب، فضلا عن تمكين مختلف جهات المملكة من أنشط رياضية موجهة للعموم في إطار العدالة المجالية.

وتأكد في نفس السياق أنه لم يتحقق أي هدف في مجال الرياضة القاعدية، التي حمل تصريح الوزير في البرلمان ما مضمونه أنه في سنة 2022 ، ستعمل الوزارة على خلق ديناميكية رياضية محلية وجهوية في مجال التنشيط الرياضي، الاهتمام بشكل خاص بالرياضة النسوية والعمل على توسيع دائرتها، وتنظيم أنشطة إشعاعية وأبواب مفتوحة، والاهتمام برياضة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن تشجيع الرياضات الحضرية والالكترونية بمختلف التخصصات، وظلت الوعود التي حملها برنامج الوزير حبرا على ورق،والدليل جواب الطفل التلميذ الذي رد على سؤال الوزير إن كان يمارس الرياضة بالقول: « لا..والو».

منذ عقود والمغرب يقع بأسفل ترتيب الدول في مؤشر جودة التعليم عربيا وعالميا. وطالما صدم المغاربة أمام تقارير المنظمات الدولية وهم يطالعون أسماء بلدان أشد فقرا تتفوق على بلدهم في جودة التعليم. 

في تقرير عن الوضع المزري للتعليم والمدارس والجامعات في المملكة ، قال الكاتب ،عبد الرحيم التوزاني، فبعد الفضائح التي عاشتها أكثر من مؤسسة جامعية تورطت في بيع الدبلومات بفاس وطنجة وتطوان، تنظر محاكم المغرب هذه الأيام في قضية التحرش بالطالبات، القضية المعروفة بـ “الجنس مقابل التنقيط الجيد”، التي تورط فيها أكثر من أستاذ بجامعة الحسن الاول بمدينة سطات (جنوب الدار البيضاء). 

معضلة التعليم بالمغرب ليست وليدة اليوم، بل لها جذورها المترسخة منذ الاستقلال، وظلت تراوح مكانها عبر توالي العقود، فالتعليم شكل للملك السابق الحسن الثاني أرقا كبيرا، ليس فقط بسبب ما يقضمه من كتلة الأجور في ميزانية الدولة، ولكن أكثر من ذلك، عندما لاحظ الملك أن الشبيبة التلاميذية والطلابية هي وقود التنظيمات اليسارية المناهضة لحكمه المطلق. لم يكتم العاهل قلقه البليغ وهو يوجه خطابه إلى الشعب يوم 30 مارس 1965، أي بعد أسبوع على الأحداث الرهيبة في الدار البيضاء، حين قال إنه لا يوجد خطر أكبر على الدولة ممن يسمون بالمتعلمين، وأن الحال سيكون أفضل إن كان هؤلاء أميين. بعدها اعتكفت لجان غير معروفة على إدخال تغييرات جوهرية على محتوى ومناهج التعليم، وتم تشجيع التعليم الخاص، وفي نهاية السبعينات تقرر إلغاء مادة الفلسفة، وتعويضها بالفكر الإسلامي. إلى غير ذلك من القرارات.  

 لم تصمت المعارضة، بل إن نخبة من المفكرين والسياسيين والهيئات، انبرت للدفاع عن المدرسة العمومية بالمطالبة بتعميم التعليم ومغربته، ليكون “تعليما شعبيا، ديمقراطيا، عربيا، علمانيا وموحدا”. على رأسها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والحزب الشيوعي، وحزب الاستقلال.  

وقبل ظهور قرار بنموسى حول تحديد سن المتقدمين لمباريات ولوج سلك التدريس، كان الجدال محتدما حول إدماج المتعاقدين، وفي لحظة مارقة غاب مطلب الإدماج لتتحول الأنظار إلى الحد الأقصى، هل سن الثلاثين أم سن الخامسة والأربعين كما ينص القانون. لذلك يرى البعض أن الانخراط في نقاش من قبيل دستورية “مذكرة بنموسى” من عدمه، يدخل في باب تضييع الوقت. إذ المعضلة أكبر وأعمق بكثير، تتصل في عمقها بالفساد الذي يضرب الإدارة المغربية، ومنها إدارة وزارة التعليم. 

في السنوات الأخيرة أثير كلام كثير حول تبديد أموال ما سمي بـ”البرنامج الاستعجالي”، وأشارت اتهامات إلى عدد من المسؤولين الكبار دون أن يتحرك القضاء، بل إن التحقيق اختار فقط بضعة مسؤولين أقل درجة، ثم أغلق الملف. رغم تداوله وطرحه بالبرلمان، حين تجرأ مستشار برلماني من حزب الاستقلال وألقى بكلام ثقيل ضد رؤوس كبيرة بوزارة التعليم، معلنا عزمه تفجير “الرمانة”، إلا أن الرجل أصابه صمت أبو الهول، ولم يفتح فمه بعدها. وقيل إنه بعد الفشل في إغرائه ماديا، استعملت معه الخطة “باء” فنجحوا في اغتياله معنويا. وما شاع بين المتتبعين هو أنهم فتشوا في علاقاته الحميمية و”جزوا لسانه”. هو الأسلوب ذاته الذي استعمل مع صحفيين وناشطين حقوقيين. ولا أحد أفصح أين تبخرت ملايير “البرنامج الاستعجالي”، ومن أشار إلى الريش الذي يعلو رأس المتهم الحقيقي، قد يجد نفسه وحيدا ويندم. ما جعل الجميع يتبع سلوك القردة الثلاثة في الحكمة الهندية الأسطورية: “لم أر، لم أسمع، لن أتكلم”. 

هكذا يذهب وزير ويعين محله آخر، في حين تستمر المجموعة المسؤولة المباشرة عن تدبير الوزارة، ويستمر تغييب الحكامة ولا يحاسب المسؤولين عن الاختلالات التدبيرية والمالية في الإدارة المركزية وبالأكاديميات. 

ولأمر لا يخفى، ركز الإعلام على ميزانية “العتاد الديداكتيكي”، رغم أنها لا تشكل سوى جزء بسيط من الميزانية العامة للمشروع، لا يتجاوز نسبة 0,6%، من أصل ميزانية تقترب من 50 مليار درهم. إذ يجرى التمويه دائما على الحقيقية، في حين يكفي الرجوع إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر في ديسمبر- كانون الأول 2018، والوقوف عند الصفحة 20 من التقرير المتاح على شبكة الإنترنيت. ويستمر تعميم الغشاوات على الأعين عبر شراء ذمم بعض الصحف والمواقع لزرع التضليل، أو لفسح المجال لتطاحن المتصارعين من العصابة، كما يحدث الآن. 

وسرعان ما يخيب الظن عند تعيين وزير جديد بالقطاع، في قدرته على إسقاط لوبيات الفساد المتحكمة بالوزارة، ويسري غالبا الخوف من توريطه هو ليتناول من نفس الصحن. لذلك لا يراهن أحد اليوم على بنموسى، وإن كان البعض يتفاءل باسمه (شكيب) الذي يعني الصبر والثبات.  

إن إفلاس النظام التعليمي بالمغرب لا يمكن تحقيقه إلا في سياق إصلاح حقيقي وجذري لإدارة الدولة، قادر على انتشال البلاد من قاع مؤشرات الفساد، ومن أسفل رتب التنمية البشرية. فالنموذج التنموي الجديد الذي يجب أن يرتكز على ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل المواطنين بشكل عادل ومنصف لن يجد طريقه للتفعيل بدون إدارة عمومية قوية بمواردها البشرية في جميع القطاعات. 

أو أن قدر المغاربة هو “أن يستحقوا أكثر”، الشعار الذي أوصل أخنوش إلى رئاسة الحكومة؟!