منظمة حقوقية : غياب الإرادة السياسية يعيق تفعيل قانون الحق في الحصول على المعلومات في المغرب..القوانين المعطلة..!

0
117

يصدر المرسوم التشريعي أو القانون ويعدُّ نافذاً بحق الجميع ابتداءً من تاريخ معين، وعلى الأغلب يكون التاريخ تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، فهذا النشر أشبه بإعلان للجميع عنه، وافتراض أن الكل قد أخذ علماً به وبات واجب التطبيق، لكن ما الذي يحصل بعدئذ؟

كثير من القوانين تبقى حبراً على ورق، وكثير منها لا تدري بها غالبية الشعب، والسبب ببساطة أنها صدرت ولم تُنفذ. وأهم هذه القوانين مثلاً قانون يتعلق بحماية البيئة، وقانون آخر بعدم تشغيل الأطفال دون سن معين، وقانون يمنع التسول، وقوانين أخرى عديدة.

من المسؤول عن هذا؟ هل هي السلطة التشريعية نفسها التي سنتّ القانون، ولم تُعط الموجب الجزائي له للتنفيذ أصولاً؟ أم السلطة التنفيذية التي تتراخى في كثير من الأحيان لأسباب عدة أهمها المحسوبيات وتوابعها؟

ومن جانبها، أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الثلاثاء، غياب إرادة سياسية حقيقية للدولة فيما يخص تفعيل الحق في الحصول على المعلومات، على الرغم من دخول القانون رقم 31.13 الذي يُنظّم عملية الولوج إلى المعلومات حيز التنفيذ في مارس  2020.

وانتقدت الجمعية في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي للحق في الوصول إلى المعلومات، عدم تفعيل مضامين القانون رقم 31.13  في العديد من الوزارات والإدارات والمرافق العمومية، رفض تام في الإدلاء بالمعلومات، سواء للصحافيين أو لعموم المواطنين، على الرغم من أنّ القانون يلزمهم بذلك.

وأضافت الهيئة الحقوقية، أن العديد من الصحفيات والصحفيين، خصوصًا العاملين في مجال التحقيق، يتعرضون للمضايقات الأمنية والتشهير الإعلامي والمتابعات القضائية التي قد تصل إلى حد تلفيق تهم جنائية ضدهم، أضف إلى ذلك عدم حماية المبلغين عن انتهاكات حقوق الإنسان وفاضحي الرشوة والفساد.

وبغض النظر عن علات ونواقص قانون الحصول على المعلومات، فإنّه، في الكثير من الأحيان، لا يُطبق على أرض الواقع، بسبب تلكؤ عدد من الإدارات في تفعيل مقتضياته للإفراج عن المعلومات، يضيف البيان.

وأمام هذا الوضع، نددت الجمعية بالتراجعات الخطيرة التي مسّت حريّة الرأي والتعبير، والاعتداءات التي طالت المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيات والصحفيين والباحثات والباحثين، بسبب دفاعهم عن الحق في الوصول إلى المعلومة.

ونبهت الجمعية إلى الصعوبات والعراقيل التي تواجه المطالبين بالنفاذ إلى المعلومات، خصوصًا في ظل جائحة كورونا وما صاحبها من إخفاء متعمّد للمعلومات المتعلقة بالصحة العامة، أو تلك التي تدور حول الصفقات العمومية التي أبرمتها الدولة مع شركات ومجموعات خاصة لشراء المعدات والمستلزمات الطبية المستعملة في محاربة فيروس كورونا.

وجددت الجمعية الحقوقية مطالبتها بمراجعة القانون 13-31، سواء من حيث مضمونه أو من حيث منهجية إعداده، عبر إشراك منظمات المجتمع المدني والحركة الحقوقية، بشكل يضمن فعليا الحق في الوصول إلى المعلومات.

وخلصت الجمعية إلى التأكيد على ضرورة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة، والمبادئ الأساسية في صياغة وتنفيذ القوانين الوطنية المتعلقة بالحق في الحصول على المعلومات، وعلى رأسها الكشف عن أقصى قدر من المعلومات، وتسهيل إمكانية الحصول من خلال معالجة طلبات المعلومات بسرعة ونزاهة وإمكانية الطعن أمام هيأة إدارية مستقلة، فضلا عن تسهيل الإجراءات وتبسيط المساطر وخفض التكاليف.

عملاً بالقانون الجديد، واستناداً إلى المادة 27 من دستور 2011، يحق للمواطنين طلب الاطلاع على معلومات بحوزة الإدارة العامة والمؤسسات المنتخَبة والمنظمات التي تتولى تأمين الخدمات العامة.

وفي حين أن قانون الحق في الحصول على المعلومات يحمل في طيّاته الوعد بتعزيز الشفافية والاستجابة فضلاً عن استعادة الثقة العامة بمؤسسات الدولة، لم يتضح بعد ما هي الفائدة التي يمكن أن يحققها للفئات المحرومة في المناطق المهمّشة وكيف سيساهم في تحسين الحوكمة المحلية.

بإمكان القانون 31.13 تحسين جودة الخدمات العامة وتمكين المواطنين، إنما ثمة عوائق وثغرات كبرى أيضاً تتطلب اهتماماً فورياً، لا سيما غياب الالتزام السياسي بالشفافية، والثقافة المؤسسية السائدة والقائمة على الاحتفاظ بالمعلومات وعدم الكشف عنها، والأهم من ذلك الإغلاق المتزايد للمساحة المدنية وقمع الأصوات المعارِضة.

باختصار، يمنح القانون 31.13 المواطنين الحق في الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الكيانات الحكومية. بإمكان الأفراد تقديم طلب حر إلى المؤسسة المعنية والتماس معلومات بشأن مواد مثل القوانين والبيانات والتقارير.

ولكن تُطبَّق استثناءات على نوع المعلومات المطلوبة، مثل المعلومات المتعلقة بأمن الوطن وبيانات المواطنين الخاصة.

وتنص المادة 29 من القانون على فرض عقوبات على المواطنين الذين يسيئون استخدام المعلومات. ينبغي على الوكالات الحكومية أن تجيب على الطلبات في غضون 20 يوم عمل اعتباراً من تاريخ تسلّمها. وفي بعض الحالات الطارئة (مثلاً حماية الأرواح أو السلامة العامة)، يجب تقديم المعلومات في غضون ثلاثة أيام. ويُعاقَب الموظفون المسؤولون عن المعلومات في حال تخلّفهم عن الاستجابة للطلبات، عملاً بالمادة 19 من القانون.  

تبعاً لذلك، يتوقف تطبيق القانون 31.13 على ركيزتَين أساسيتين: تعيين موظفين مدرّبين جيداً في الخدمة المدنية كي يستجيبوا على نحوٍ مناسب للطلبات التي يُقدّمها الجمهور العام من أجل الحصول على المعلومات، فضلاً عن نشر البيانات المتاحة للجمهور العام بصورة استباقية وآنية.

غالباً ما يُشار إلى أن العائق الأكبر أمام التنفيذ الناجح للقانون يتمثل في عدم توافر القدر الكافي من الموارد المالية والرأسمال البشري المؤهَّل. ولكن تغيير الثقافة المجتمعية والمؤسسية هو التحدي الحقيقي في الممارسة. يفرض القانون على الجماعات الترابية المغربية (الجهات والبلديات) تعيين موظفين مسؤولين عن المعلومات مكلّفين الاستجابة لطلبات المواطنين. تبدي هذه الجماعات الترابية عموماً استعداداً للالتزام، وتقوم بإرسال المسؤولين عن المعلومات المعيَّنين حديثاً للمشاركة في دورات تدريبية.

ولكن أحمد جزولي، وهو خبير مغربي في السياسات يشارك في برامج تدريب موظفي الخدمة المدنية، يشدد على أن “العائق الأساسي هو ثقافة الاحتفاظ بالمعلومات من جانب موظفي الخدمة المدنية. يجب تدريبهم على الإفراج عن المعلومات والنشر الاستباقي للبيانات. من الضروري التركيز على تغيير الثقافة الطاغية لدى موظفي الخدمة المدنية”. 

بعيداً من تغيير الثقافة البيروقراطية، من المهم العمل على ترسيخ ثقافة سياسية قوامها الشفافية التي تفتقر إليها البلاد راهناً.

لا تزال معظم المؤسسات العامة تحجب المعلومات التي يمكن أن تتضمن أدلة على سوء الإدارة أو سوء استعمال الموارد العامة، وذلك بهدف التهرّب من التدقيق القانوني. يفرض القانون الجديد على البلديات نشر بياناتها المالية وخططها الإنمائية عبر الإنترنت، ولكن قلة من البلديات عمدت حتى تاريخه إلى نشر موازناتها على منصاتها الإلكترونية.

فقد بذل مجلس مدينة الدار البيضاء مثلاً جهوداً كبيرة لتعزيز خدماته الإلكترونية والاستمرار في تحديث موقعه الإلكتروني، وذلك خلافاً لمدن كبرى أخرى ذات موارد مهمة، مثل الرباط التي لا يملك مجلسها موقعاً إلكترونياً خاصاً به.

وفي هذا الصدد، يعلّق كريم الحجاجي: “من المؤكّد أن المشكلة ليست في الموارد المالية، بل في الإرادة السياسية”.

أخيراً، لا يمكن تقييم الجدوى الفعلية لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات من دون أن يؤخَذ في الاعتبار انغلاق المساحة المدينية، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية الإعلام في المغرب. وقد استغلت الحكومة مؤخراً أزمة “كوفيد 19” لإقرار قانون طوارئ جديد يحمل الرقم 2.220.292، وينص على إعلان حال طوارئ صحية مع فرض عقوبات تصل إلى السجن ثلاثة أشهر وتسديد غرامة مالية قدرها 1300 درهم (نحو 134 دولاراً أميركياً) على كل مَن يخالف “الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية” وعلى كل من “يعرقل” تنفيذ تلك القرارات بواسطة “المكتوبات أو المطبوعات أو الصور”. وإضافةً إلى مقاضاة أكثر من 90000 شخص بتهمة خرق القانون وجرائم أخرى، استخدمت السلطات هذا القانون لملاحقة العديد من نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين بتهمة “تحريض الغير على مخالفة قرارات السلطات خلال حال الطوارئ الصحية”، في حين أن ما فعله هؤلاء كان انتقاد “الزبائنية” والتوزيع غير المنصف للمساعدات من جانب السلطات المحلية خلال أزمة “كوفيد 19”.

يتناقض القمع المستمر للصحافيين والمعارضين تناقضاً شديداً مع الجهود التي بذلتها الحكومة مؤخراً لتعزيز ثقة المواطنين بها والاستجابة للمناشدات بتحقيق الشفافية. لا شك في أن هذه الثقة هي شرطٌ مسبق كي ينفّذ المواطنون القانون ويستخدموا أحكامه.

في غضون ذلك، يفضّل المواطنون المستاؤون اللجوء إلى التعبئة الجماعية والتحرك في شوارع المدن الكبرى، مثلما حصل في أيار/مايو 2020، عندما تجمّع المتظاهرون احتجاجاً على إقصائهم من الإفادة من صندوق “كوفيد 19”. باختصار، وفي حين أن قانون الحق في الحصول على المعلومات هو على الأرجح أداة قويّة في أيدي المواطنين والمنظمات الأهلية، يتوقف تطبيقه والسهر على تنفيذه إلى حد كبير على الإرادة السياسية للحكومة والتزامها بالإصلاحات الحقيقية.

 

 

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا