الحريات الفردية والجماعية ، في الواقع الثقافي العربي والإسلامي لأي فرد ولأية جماعة ؟

0
299

الحرية الفردية والجماعية هي استمرارية لنسقين مختلفين في الفكر والممارسة ، بين من يقدس الحرية الفردية ويعتبرها خيارا لا رجعة فيه دون أن يكلف نفسه تحديد المصطلح لنفهم ما يقصد به من هذا السجال وبين من ينتصر للحريات الجماعية والتي تجعله حكما يسلط سيفه الرمزي على من يخالفه بأحكام وقواعد تاريخية وتراثية تحتاج إلى الفهم والتمحيص. إذن هذين النسقين نناقش في المغرب هذا البلد الذي اختلطت فيه الأفكار بالعواطف والأحداث بالأعراض وأصبحنا نقيس ما يجري من نقاش دائري بين النخب الفكرية التي هي امتداد للنخب السياسية ولذلك فالسؤال المحدد والجوهري ، هل إشكالية الفرد في ممارسة حقوقه الفردية والجماعية مرتبطة ببنية السلطة أم بجمود المثقف في زمن ما بعد الحداثة ؟.

وتعد الحرية من أهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أي إنسان وهي حق ثابت و أصيل لجميع البشر ، فليس لأحد أن يتجرأ على حرمان آخر منها أو إنقاصها أو تحديدها . فهي غير قابلة للتصرف كما أن الحرية تشعر الفرد بأهمية دوره بل بفعالية وجوده واكتمال إنسانيته.

ويعتبر اختيار الإنسان لمأكله ومشربه وطبيعة لباسه ومكان نومه ومنهاج عمله من أبسط مظاهر الحرية التي يمكن التحدث عنها تتعداها هذه المظاهر إلى حرية الفكر والتعبير عن الرأي والحق في الاختلاف وغيرها من صور وأشكال الحريات وسنوضح مفهوم الحرية بأنواعها بالتفصيل .

الحرية لغة واصطلاحا :

وتتعدد التعريفات الحرية لكنها غير محصورة بجملة معينة أو بتعريف بعينه . فهي الكلمة التي يستطيع كل إنسان الشعور بها بالممارسة العملية في الحياة وهي الفضاء الفسيح الذي يمكن للإنسان التحرك من خلاله دون أن يخدش فضاء الآخرين حيث يقال تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين .

الحرية هي قدرة الفرد دون إجباره أو مساومته بشرط أو ضغط خارجي على اتخاذ قرار أو تحديد خيار من جملة خيارات متاحة هي التحرر من الضغوط أو القيود التي تكبت طاقة الإنسان وقدراته وهي عكس العبودية لشخص أو جماعة ما؟.أو التخلص من كل أنواع وأشكال الإجبار والتحكم والإكراه.

تعرف الحرية لغة

وبأنها التخلص من الأخطاء والاستعباد والاستحقار ، كما تعرف اصطلاحا ، بأنها الهيئة التي يكون عليها الإنسان بعدم خضوعه لأي عبودية أو قهر أو سجن حيث يتصرف وفق إرادته وتعد الحرية نقيضا للعبودية ، والحرية هي قدرة الشخص على اتخاذ قرار معين دون أي إجبار أو شروط أو ضغوطات خارجية . وتعد الحرية حكما ذاتيا للشخص على نفسه ومن دون تحكم أي أشخاص آخرين في قراراته. 

والحرية : هي تحرر الشخص من أي تدخل خارجي وهي عملية تفريغ الطاقات المادية أو القيود المعنوية وهي عملية تخلص الأشخاص من العبودية والتخلص من الضغوطات التي تفرض على شخص ما ؟ وأن يقوم بتنفيذ أمر ما ؟.

الحرية : هي إمكانية الفرد دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي على اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة . مفهــوم الحرية يساعد بشكل عام شرط الحكم الذاتي في معالجة موضوع ما ؟. 

وتعرف كذلك بأنها هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة أو للذات والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما.

أنواع الحرية : حرية الرأي والتعبير- حرية المعتقدات الدينية والعبادة – حرية المسكن والحركة- حرية العمل- التحرر من الحاجة التحرر من الخوف – حرية الزواج والطلاق.

أشكال الحرية : من أبرزها ، حرية التفكير – حرية السلوك- حرية التصرف – حرية إبداء الرأي.

ضوابط الحرية : لا تكون حرية الفرد على حساب حرية الجماعة فيوجد العديد من الضوابط للحرية ، ومن أهم هذه الضوابط : -ألا تؤدي حرية الشخص حريات الأشخاص أو الأفراد الآخرين أو تؤذي نظام الدولة العام .

-ألا يترك الإنسان حرية مهمة من أجل حرية غير مهمة فيجب ترتيب الحريات ونتائجها.

ماذا نقصد بالحرية الفردية أو الحريات الفردية؟.وماذا نقصد بالحرية الجماعية ؟ أو الحريات الجماعية ؟ .

إشكالية المصطلح والمضمون

سؤال الحرية في الفرد والجماعة هو يتجدد بتجدد الأزمنة والوقائع وفهم الحرية من الزاوية الدينية أو الشرعية يجعل الأصولي يقف بلغة علمية وفقهية أصولية واضعا ضوابط جمة ضانا أنه بهذا الفعل قد حرس المجتمع من كل ما من شأنه أن يقيد أو يثير ما يثار . وقد أتاه العقل الإسلامي في فترة العصر الوسيط في إشكاليات الفكر والحرية وما نتج عنها من خروج العديد من الأفكار والتيارات التي بالرغم من ما فيها أثرت التنوع الفكري الإسلامي وأخرجته من حالة من الجمود المحلي إلى النبوغ العالمي فأضحى مرجعا إنسانيا وضع معالم للحضارة الإنسانية.

وسؤال الحداثة في تلك الفترة بدأ مع المعتزلة بضوابطه وأسسه العقلية ، لذلك إذا ما أردنا أن نناقش فكر المعتزلة دون ربطه بممارسات سياسية تحتاج إلى البحث التاريخي السياسي في أفعالهم وتحالفهم السياسي آنذاك . وكذلك الشأن عند بعض من نصبوا أنفسهم حماة الشريعة وبدؤوا في الاتهام والقهر الفكري والنفسي بدعوى الخروج عن الجماعة تتغير الأفعال والأقوال لكن السؤال يبقى حاضرا في مخيلة المثقف الذي يرى أن تقديس الحرية في مجتمع لم يستطع أن يحسم في الدلالة المفاهيمية لها يجعلنا نعيش حالة من التيه الفكري وعدم القدرة على الخروج من شرنقة المتحكم في الفكر والسلوك والممارسة.

فالحرية بمفهوم الجماعة: هو تكامل وانتظام وهي ضبط لما يمكن تسميته بالحقوق الجماعية التي يتعاقد عليها مع الراعي – الحاكم – في وثيقة دستورية أو عقد البيعة. لكن الحرية بمفهوم الفرد تساءل الخصوصية وتساءل الأقلية وتساءل ممارسات احتجاجية في مجتمع تقليدي أو يتسم بنوع من الخصوصية.

ولذلك يبقى سؤال العقل في الزمن انتفض فيه العقل وأصبح المحرك الأساسي هو لغة الجسد ولغة الإشارة الجنسية والكبت المجتمعي هو المحرك وتبقى التساؤلات المثارة مجردة وغير ذي معنى، بل هي لا وقع لها.

القانون والحرية الفردية : الحرية الفردية شرسة يصعب ترويضها في قواعد قانونية ضابطة وتتسم بالعمومية ويطبقها بناء على إرادة الجماعة التي تمثل ضمن المؤسسات المخول لها ذلك بمقتضى وثيقة التعاقد الاجتماعي في وطن من الأوطان.

الحرية الجماعية : تختفي إذا ما أصبحت مقهورة ومغيبة ومجمدة أو تعاكس إرادة الجمهور حينها لا نقدر أن نناقش الحرية بشكل واضح ومتزن لأن البناء الاجتماعي يكون متينا ومعقدا ومتداخلا قيمي ومتضامن في الصورة العامة.

العقل الإسلامي والحرية : يتجدد النقاش الدائر ضمن النسق العربي والإسلامي حول سؤال الحرية الفردية مثله مثل سؤال الديمقراطية التي كانت في وقت قد مضى نقاشا غريبا في بيئة غير مهيأة لهذا النقاش ولذلك نتجاوزه الى سؤال التنمية التي فشلنا في تنزيلها وخصوصا مع عصر النهضة لأن الذي جرى إننا استنسخنا نقاشا عاما بين النخب وهو نقاش لم يبدأ في بيئتنا بل في بيئة مغايرة لنا وتم نقله ولذلك أما غلبة الاندهاش والإبهار وغياب مناخ التفكير والحرية يصبح عمل النخب المثقفة هو النقل والاستنساخ دون فهم وحالة المغرب ليست استثناء من هذا الأمر حيث كلا التيارين نقلا أفكار أما شرقية أو امتدادها الغربي.

والحرية الفردية : كمصطلح غربي كان لها نصيب من هذا الصراع فمن رافض لها الى متحمس لها مؤملا فيها كل الأمل .. والباحث في الأمر يلمس غياب التحليل ويجد التسرع في إلقاء الأحكام وهذه من أعضل مشكلاتنا ذلك أننا ما زلنا نحتقر ( التنظير) ونرفض ( فعل التفلسف) ونحب أن نكتفي من الظواهر والأفكار بالسطح والقشور ، وكأننا بذلك نرضي طفولتنا الفكرية التي تنفر من التجريد بل ونتشبث بإدامتها لأنها في النهاية تعفينا من أعمال العقل والربط بين المقدمات والنتائج ربطا منطقيا.

فسؤال الحرية بين الفردية والجماعية لا يثار من باب الإشكال حول المصطلح وإنما من زاوية وضع المشكلة في السياق الحضاري ، فنحن كأمة تعيش مرحلة ما بعد حضارتها محكوم عليها أن تكون في موضع المغلوب الذي يفرض عليه الغالب قوانينه وعاداته ومقاييسه ، يقول : ” ورثنا نحن معشر الشعوب الإسلامية كما ورثت معنا وفي الظروف نفسها الشعوب الإفريقية الأسيوية التي خضعت مثلنا للدول الاستعمارية واحتكت بثقافتها وحضارتها في إطار الاستعمار ورثنا هذا الاتصال وبحكم القانون الذي يفرض على المغلوب عادات وتقاليد الغالب ورثنا المقاييس المرتبطة بحياة العالم الغربي وبتجربته التاريخية وتقبلنا بعضها لنقيس بها الواقع الاجتماعي لدينا ونقارن على ضوئها ماضينا وحاضرنا بما يسحر أبصارنا في حاضر هذه الأمم الغربية “.

فاللقاء مع الغرب ( الآخر / الغالب ) ومع موقعنا كمغلوبين ، أنشأنا لدينا مركب نقص جعلنا نضم إلى إسلامنا خصوصيتنا / أصالتنا / ذاتنا ) كل ما نعتقده ذا قيمة في حضارة الغرب ، ولذلك نسمع عن مفهوم الحرية بالمفهوم الليبرالي في الإسلام ) في حين أن لمسألة أقرب إلى رد الفعل العاطفي منها إلى الاختيار العقلاني الذي يختبر ما لديه أو ما يفد عليه من الآخر.

ولذلك فالحرية في الإسلام تدل على هذه الآلية التي تتحكم في العقل المسلم الذي يقف في هذه المرحلة من تاريخه منبهرا بقوة الغرب امن حيث لمفهوم بقدر منبهر بسطوته المادية …. فتراه يبحث عن المفاهيم يضيفها الى تراثه بالكيفية ذاتها التي يبحث بها عن الوسائل المادية لتحقيق الرفاهية في الواقع.

وما أكثر ما أدخلنا هذا الربط غير الواعي بين الإسلام ومفاهيم وافدة في متاهات لم نتمكن بعدها من الإمساك بالمفهوم الوافد والاستفادة منه ولا بتطوير فهمنا ونظرتنا إلى الإسلام.

فالمفكر المنفتح في تحليله لموضوع الحرية في الإسلام لم يتعامل مع الصيغة المركبة باعتبارها مسلمة على الرغم مما فيها من إغراء وبريق قد يحمل المدافع عن الإسلام على تبنيها خصوصا إذا ما نظرنا إلى الظروف التي اتسمت أساسا بتشبث المصلحين في العالم الإسلامي بكل ما من شأنه أن يدفع عن الإسلام دينا وحضارة شبهات التخلف والانغلاق والماضوية التي كان يروج لها المستشرقون والمفتون من أبناء المسلمين ويدعمها بغير قصد تزمت بعض علماء الدين وتحجر أفكارهم وبعدهم عن واقع الناس.

فمشكلة الربط بين هذين المصطلحين هي في نظري المشكلة الأساسية في الموضوع يجب أولا أن نميز بينهما وأن نعطي كليهما ما تستحق شخصيته من التعريف حتى نتبين في ضوء هذا التعريف أي قرابة توجد بين المصطلحين.

وكأني بهذا قد انتهج طريق (ابن رشد) حينما بحث قضية الصلة بين الحكمة والشريعة فحلل مضمون الحكمة وحدد مفهومها ثم حاكم ذلك إلى ما دعت إليه الشريعة والحكمة من الاتصال.

فكلا المصطلحين ( الحرية- الإسلام ) ولكنه في البداية نبه على أمرين أساسين:

الأول : أن الوقوف عند المعنى اللغوي للمصطلحين من شأنه أن يدفعنا الى القول بانتفاء أية صلة زمانية أو مكانية بينهما ، فالحرية الفردية كمصطلح نشأت في بيئة محددة وزمان محدد لا صلة لهما بالبيئة والزمان اللذين نشأ فيهما مصطلح الإسلام . وعليه ربما أمكن القول مجازفة نظرا لهذا التباعد من حيث التاريخ والجغرافية بأن ليس هناك ( حرية فردية مطلقة في الإسلام ).

الثاني : أن المصطلح عبر تاريخه يكتسب معاني ويتلبس بتصورات مختلفة فلا يمكن أن نغفل هذا الأمر عند إرادة المقارنة أو التحليل بل علينا أن نحدد المعنى إرادة المقارنة أو التحليل ، بل علينا أن نحدد المعنى الذي نريده وهذا بالضبط ما حدث لكل من ( الحرية الفردية – والإسلام) فما العمل اذن أمام هذين الأمرين:

يتوجب علينا القيام بخطوتين:

1)-تجاوز المعنى اللغوي للمصطلح ومحل الدراسة.

2)-تحديد مفهومه قبل ربطه بأي مفهوم آخر ( فالحرية الفردية نحددها في ذاتها دون ربطها بالإسلام ولا أن نجعله مقياسا لها.

فالدلالة المفاهيمية للحرية الفردية : هي سلطة الفرد على ذاته في التقرير والتعبير والاختيار دون قيد أو ضابط بتعبير تحليلي موجز ( سلطة الإنسان).

-الإسلام : هو الخضوع الإنسان كذات بروح ومادة لله تعالى – أو بتعبير تحليلي موجز ( خضوع الإنسان).

فهل يوجد وجه مقارنة بينهما بعد هذا التبسيط ؟.

أي وجه المقارنة بين مفهوم خاص يفيد مجمله تقرير (سلطة الإنسان) في نظام اجتماعي معين وبين مفهوم ميتافيزيقي يفيد مجمله تقرير ( خضوع الإنسان) إلى سلطة الله في هذا النظام أو غيره. هكذا ينتهي الأمر فيما يبدوا إلى مناقصة أو ما يشبه المناقصة. فهذا التبسيط للمفهومين والذي يرتكز أساسا على الجوانب اللغوية يزيد من أثر المقارنة بينهما صعوبة. والصعوبة ، ليست نتيجة الواقع الذي يدل عليه كلا المصطلحين بل إنها تنتج من كيفية تعبيرنا عن هذا الواقع.

وهذه ملاحظة في غاية الأهمية ذلك أننا حينما نأخذ مصطلحا أو مفهوما ونغفل عن ظروف نشأته زمانا ومكانا. وقد نكون في الحقيقة قد ابتعدنا عن جوهر ذلك المفهوم وعرضنا أحد تجلياته في الواقع في لحظة زمان وحدود مكان معينين . وبمعنى ألآخر لن نعبر عن المفهوم كما هو في شكله المجرد الذي قد يصلح لكل زمان وبيئة محددين … 

وهذا ما حدث مثلا للسياسيين حينما أخذوا المذهب الاشتراكي كنموذج وأرادت استنساخه في الغرب الرأسمالي باءت بالفشل لأنها لن تتعامل مع النظرية الاشتراكية أو الماركسية وإنما تعاملت مع إحدى تجلياتها وتطبيقاتها في واقع يختلف عن واقع الشعوب العربية وهو ما يحدث أيضا لدعاة الحداثة في زمن ما وراء الحداثة ، فخاب سعيهم في نقل الصورة ما يسمى بالحداثية وهم في ما وراء الحداثة التي اختلف جميع العلماء متى تكون وكيف . هل في زمن الحرب أم في زمن السلم .هل في زمن الاستعمار أم بعد الاستعمار واليقظة من صعوباته ومخلفاته على الشعوب من جهل وفقر وأمية . كما يدعون للمجتمع الغربي ومحاولة تطبيقها على المجتمع العربي ،فلا غرابة بعد ذلك أن تبوأت تلك التجارب والمحاولات بالفشل لأنها لم تتعامل مع المفاهيم وإنما تعاملت مع تعبيرات بشعارات دون قناعة بتلك المفاهيم.

-الحرية الفردية : أسس وشروط.

لئن كان المستوى اللغوي في تحديد المفهوم لا يفي بالغرض فيجب أن نضع أمامنا مستوى آخر يمكن أن يكون كفيلا بإثراء النقاش وجعل المقارنة بين الحرية الفردية و( الإسلام ) أمرا ممكنا.

هذا المستوى كما أشرنا من قبل يتمثل في تجاوز التحديد اللغوي وعدم جعل المصطلح الثاني مقياسا للأول وإنما علينا أن نتعامل مع كل مصطلح بشكل مجرد في إطاره العام دون تحديد مسبق. فهذا الإجراء يعزز من موضوعية الباحث ويمكنه من الوصول إلى حقيقة لمفهوم. دون أن يقف التحديد اللغوي المرتبط بزمان النشأة ومكانها حائلا بينه وبين مبتغاه ودون أن يجعله التحديد المسبق يقفز على الحقيقة إما بالرفض وإما بالتأويل وإما بالتلفيق وهي آليات المنظومات الفكرية المغلقة التي لا تكاد تفتح في بنيانها نافذة لشعاع آخر يأتيها من الخارج وأنى لها ذلك وهي على يقين من أن ما عداها ظلام في ظلام.

وبناء على ذلك فالحرية الفردية لا يمكن اختصارها في عبارة : ” سلطة الإنسان ” وإنما ينظر إلى جوهرها الذي يتحدد من خلال ثلاثة وجوه، هي:

1)- الحرية الفردية نحو ( الأنا).

2)-الحرية الفردية نحو ( الآخرين).

3)-الحرية الفردية ، كمجموعة من الشروط الاجتماعية والسياسية اللازمة لتكوين وتنمية هذا الشعور في الفرد ، فهذه الوجوه الثلاثة تتضمن بالفعل مقتضيات الحرية ( الذاتية) الفردية و الموضوعية- الجماعية، أي كل الاستعدادات النفسية التي يقوم عليها الشعور الإنساني والعدة التي يستند عليها النظام في المجتمع . فلا يمكن أن تتحقق ممارسة الحرية كواقع اجتماعي إن لم تكن شروطها متوافرة في بناء الشخصية وفي العادات والتقاليد القائمة في البلد.

فموطن الخلل في المحاولات التي العالم العربي والإسلامي في التعامل مع هذا المفهوم ( معرفي ) ويكمن أساسا في التحديد الأولي لمفهوم الحرية.

فالحرية كواقع تنطلق من الذات شعورا ، كما تتفاعل مع الآخرين شعورا أيضا ولا يكتفي فيها بذلك حتى نلحق ذلك الشعور بضمانات اجتماعية وسياسية تعززه وتنميه في ذات الفرد. 

ولكي تتحــول الحرية الفرديــة إلــى حريــة جماعــية أي إلى واقــع سياسي يجـب أن تتوافــر شــروط ( ذاتيـة ) وأخــرى ( موضوعية ). 

-الحرية شعور قبل أن تكون ممارسة، بل لا يمكن أن تكون هناك ممارسة جماعية – كواقع سياسي – إن لم تسبق بشعور ذاتي يتحرك في كيان الفرد ويمازج أفكاره . وهو الشعور المقيد بشروط معينة لا يتحقق بدونها .

 وهذه الشروط ليست من وضع الطبيعة ولا من مقتضيات النظام الطبيعي على خلاف ما كانت تتصوره الفلسفة الرومانتيكية في عهد جان جاك روسو بل هي خلاصة ثقافة معينة وتتويج لحركة الإنسانيات وتقدير جديد لقيمة الإنسان تقديره لنفسه وتقديره للآخرين.

فالشعور بالحرية هو نتيجة لهذه الحركة عبر القرون ولهذا التقدير المزدوج لقيمة الإنسان.

هذا النص يوصلنا إلى نقطتين مهمتين:

الأولى : أن الشعور الذاتي بالحرية يكتسب عبر حركة في واقع الحياة والحركة تقتضي بذل الجهد لإحداث التغيير ومن ثمة لا يمكن أن نتصور وجود هذا الشعور في الفرد مصادفة أو بمقتضى التغير غير الواعي للظروف كأن يكون الإنسان في مرحلة تاريخية ( كالاستعمار مثلا) ثم يدخل مرحلة تاريخية أخرى كالاستقلال.

وهذه الحقيقة تتم من خلال استحضار النموذج الغربي فهو يرى أن الديمقراطية الغربية لا تفهم حقيقة إلا إذا عدنا الى أصولها الأولى ووقفنا مع الشعور الديمقراطي في بدايته البسيطة قبل أن نقف مبهورين مع ما أنجزته هذه التجربة في الواقع السياسي والاجتماعي للإنسان الغربي.

فالمرحلة الممتدة من نهاية الامبراطورية الرومانية الى قيام الثورة الفرنسية كلها كانت مرحلة تخلق ونشوء لذلك الشعور بالحرية لدى الإنسان الغربي.

فتصبح تاريخ تلك الرحلة – يبين كم كانت أصول الممارسة الغربية بعيدة وبسيطة . وكيف تكون الشعور ببطء قبل يتفجر بالتالي في التصريح بحقوق الإنسان والمواطن ذلك التصريح الذي يعبر عن التقويم الجديد للإنسان وعن التتويج الأسطوري والسياسي للثورة الفرنسية” . وهذا الشعور لم يأت ثمرة مصادفة غير واعية وإنما كان النتيجة والمآل الطبيعي لحركة الإصلاح والنهضة فهذا هو معناه التاريخي الصحيح. 

فإذا تجاوزنا التجربة الغربية وما تحمله من خصوصيات سنعطي لها صيغة القانون وهو أن كل شعور بالحرية إنما نتج عن عمل اجتماعي واع وحركة تنقل الإنسان من وضع إلى آخر فتعيد تقييمه وتهيئته لإنتاج واقعه الجديد.

إن الشعور بالحرية يأتي عن طريق لا حركة واعية تتمثل في تقييم مزدوج للذات وللآخر.

إن جوهر الحرية هو الإنسان في تفاعله مع ذاته ومع الآخر ، وما القوانين والدساتير إلا ضمانات دعم ومساندة ولا تنشئة وهذا ما سنوضحه أكثر في العنصر الموالي.

الإنسان مركز الحرية :

الحرية الفردية تبقى مجرد شعارات هنا وهناك في صالونات مزينة نزين بها خطابا لنغدو أكثر حداثة ولو لم نتوجه إلى الجوهر وجوهر البناء هو ( الإنسان ومنطلقه ).

فالأساس الثلاثي للحرية : ” الشعور بالأنا – الشعور نحو الآخر – الضمانات الاجتماعية والقانونية والإرادة السياسية.

فالإنسان هو أساس الحرية وجوهرها ومركزها ولكن ليس أي إنسان أي إنسان وإنما هو الإنسان الحر الذي تتمثل فيه قيم الديمقراطية والتزاماتها هو الحد الإيجابي بين نافيتين تنفي كل واحدة منهما هذه القيم وتلك الالتزامات : نافية العبودية ونافية الاستعباد.

فالحرية لا يصلح لها إنسان تتجاذبه المشاعر المتناقضة: كالعبودية والاستعباد. وهنا يكمن سر فشل الحريات الفردية والجماعية في الوطن العربي على الرغم من الكم الهائل من الشعارات والدعاوى ، بل الالتزامات الشكلية بآليات الديمقراطية كالانتخابات والمؤسسات والدساتير ، فالمسألة أساسا متعلقة بغياب أساس البناء الديمقراطي الذي هو الإنسان وليس أي إنسان وإنما الإنسان الحر.

فتطوير الإنسان وتخليصه من قيوده وتقييم الذات هي بداية بناء اجتماعي مهما كان مضمونه وفلسفته بعد ذلك.

وبعض النخب الساعية للحكم بتسميات وألوان مختلفة كالعرقية والمرأة والإرث والزواج والطلاق واستغلال الوقائع والمشاكل السياسية الكبرى وغيرها ، الغرض من ذلك يكون هو استخدام شيء في شيء من أجل إضعاف البلد بغايات معينة تكشف ولا تكشف.وهذه تدعي المواطنين بالقاصرين لا يعرفون مصلحتهم وهم لا ينظرون إليهم إلا كصوت انتخابي إن صوت لها فهو في المستوى وإن لم يصوت لها فهو دون المستوى.

فمراجعة الذات والتقويم تعيد للإنسان كرامته وإنسانيته ، فمن المخطئ أن نقول بأن التمسك بالحضارة العالمية خطأ وأننا لا نملك المقومات الذاتية والمناعية لاستخدامها في أنظمتنا وتطويرها وهي موجودة في واقعنا الاجتماعي بل نحن من خلقناها ونقلها الآخرون .

فالمجتمعات العربية ستحارب الظلم والفقر وتناصر العدل والحق وتمشي على درب اليقضة ونفض الغبار من الاستعمار والتقليد إلى الإبداع والخلق والاجتهاد.

إن المجتمع الناهض لابد أن يفكر ويقيم نفسه ويعيد مراجعة ذاته استنادا الى التراكمات المعرفية والتجارب الميدانية والعلمية للنهوض مرة أخرى باستحضار العقل والقلب دون جلد الذات ومعاقبة الأطراف بالانطباعات السيئة مسبقا ونتخطى عقدة النقص في واقع يحتاج إلى أن يتنفس الحرية بمفهومها الواسع وبخصوصيتها الخاصة.

-راجع بلوغ حاجة من خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس للدكتور ادريس البوخاري ، الصفحة 20 -21 107-108.

-راجع لسان العرب 

-راجع الحرية وضوابطها وآثارها – ناصر بن سعيد بن سيف السيف – الصفحة : 8.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا