بنعبد الله: أغلب البرلمَانيّين مرتبطين بالريع والفساد وأنفقوا الأموال للدفاع عن مصالحهم من داخل المؤسسة التشريعية

0
112

هناك اجماع على أن مكافحة الفساد هو نشاط دائم وعمل دؤوب يسعى إلى إيجاد وتعزيز مؤسسات وآليات المساءلة والمحاسبة الفاعلة في الحقل العام، ولعل أول هذه المؤسسات البرلمان، لِما له من دور فعّال في الحياة العامة.

شن نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية هجوما على البرلمان المغربي بغرفتيه متهماً بأن أغلب النواب بمجلس النواب ومجلس المستشارين هم من يقفوا وراء الفساد الذي يعيشه المغرب، وأضاف والغريب أنهم متسكون بالريع والفساد ويدافعون عن مصالحهم من داخل المؤسسات التشريعية، وليس عن مصالح المواطنين اللذين انتخبوهم.

وأوضح بنعد الله أنه لا يكاد اي موضوع فساد الا ويشارك فيه احد هذه الرموز واستهجن بنعبدالله بقوله: هذا الواقع، فقد أصبح البرلمان بغرفتيه نتاج لاستعمال واسع للأموال وبشكل غير مسبوق، وهو ما يؤثر على قدرة البرلمان والحكومة والمؤسسات المنتخبة على إصلاح أوضاع البلاد.

وأبرز المتحدث أن جل الموجودين في البرلمان عندما يناقشون قانون المالية أو الأوضاع الفلاحية أو موضوع المناجم والمقالع، وغيرها من القضايا، فهم يناقشونها انطلاقا من كونهم مستغلين للمقالع ويشتغلون في الصيد البحري وفي النقل والمناجم وغيرها من الاستغلاليات التابعة لاقتصاد الريع، ولذلك أنفقوا الأموال ليصلوا إلى البرلمان.

ورصد بنعبد الله غياب العدالة الاجتماعية والمجالية بالمغرب، بغياب التوزيع العادل للثروة، فأكثرية المواطنين لا يرون ثمار الثروة التي تنحصر على فئة قليلة، وعدد من الجهات لا تصلها هذه الثمال التي تظل ممركزة في بعض المدن.

وانتقد الأمين العام لحزب “الكتاب” الحكومة معتبرا أنها وضعت شعارات مزيفة وشعارات لا تفهم معناها وعلى رأسها “الدولة الاجتماعية”، فهذا المفهوم بعد عن مدارس الحكومة إن كانت لها مدارس فكرية وإديولوجية..

كانت محاربة الفساد من بين أهم المطالب التي رفعت خلال الاحتجاجات التي أطرتها حركة 20 فبراير (شباط) عام 2011، فنتج عن تلك التظاهرات تعديل دستوري تقرر بموجبه اعتماد الدولة آليات إرساء النزاهة والشفافية، إضافة إلى إنشاء هيئات وتدعيم عمل أخرى.

ونص الدستور على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية…، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها.

كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.

وخصص باب كامل لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور كذلك استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.

ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في “التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وقيم المواطنة المسؤولة”.

بعد إقرار المغرب بفشل نموذجه التنموي، اعتمد نموذجاً جديداً في شهر مايو (أيار) 2021، وهو ما اعتبره مختصون فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، إذ أشار رئيس “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد.

وأكد أن إصدار التقرير السنوي للهيئة يأتي في سياق استثنائي يتسم بوجود مجموعة من المؤشرات الإيجابية، والعزم على مباشرة إصلاحات عميقة، كفيلة بصون كرامة المواطنين، وضمان ولوجهم المنصف لحقوقهم، والاستجابة لتطلعاتهم المشروعة في حياة مزدهرة.

وأوضح الراشدي أن النموذج التنموي الجديد يتبوأ موقع الصدارة في هذه المؤشرات القوية، وأنه يستدعي من مختلف المؤسسات والفاعلين تنزيل مقتضياته وتصريفها من خلال إصلاحات جوهرية ووضع وتنفيذ سياسات عمومية جريئة.

شهد المغرب تراجعاً في مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، إذ حل عام 2020 في المرتبة 86، بعدما حل في المرتبة 80 عام 2019.

وأشارت المنظمة إلى أنه “خلال جائحة كوفيد-19، فرضت البلاد (المغرب) حالة الطوارئ التي أدت إلى تقييد الحركة وإغلاق الحدود الوطنية”، مضيفة “اتخذت الحكومة تدابير استثنائية استجابة لحالة الطوارئ الصحية، لا سيما فيما يتعلق بالمشتريات العامة، فقد افتقرت هذه الإجراءات إلى الرقابة وسمحت بإعفاءات خاصة لم تخضع الحكومة للمساءلة عنها، تمتد هذه المبادرات إلى مجالات خارج نطاق الرعاية الصحية وتشكل مخاطر كبيرة من حيث سوء إدارة الأموال والفساد”.

من جانبه أكد الصدقي، عضو جمعية “ترانسبرنسي المغرب” وجود تراجع لمرتبة المملكة في مؤشرات عدة متعلقة بالحكامة، معتبراً أن الفساد ذو طابع نسقي ومزمن بالمغرب، وأن المواطن بشكل عام والمقاول والمستثمر الأجنبي لا يلمسون ترجمة فعلية للخطاب السياسي الذي يدين الفساد ويعد بمحاربته، وذلك على الرغم من القوانين التي يتم بلورتها أو الهيئات التي يتم إقرارها والالتزامات الدولية التي قطعها البلد على نفسه.

وأشار إلى أن “ذلك يرجع بالتأكيد إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ببلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد انقضت الآن ما يزيد على خمس سنوات على تبني الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب، وكان من المفترض، بعد كل هذه المدة، أن نكون قد حققنا تقدماً ملموساً في تنزيل مقتضياتها وتفعيل نحو 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة”.

وأوضح الصديق أن تلك الاستراتيجية ما زالت بعيدة من التفعيل بسبب ضعف الانخراط العملي للوزراء والمسؤولين الكبار في الإدارات، ما عدا بعض الاستثناءات، وبسبب شبه غياب لاجتماعات اللجنة الوطنية المخول لها متابعة الاستراتيجية، وعدم تجريم الإثراء غير المشروع، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تبذير المال العام. مضيفاً أن هناك أيضاً غياباً لقانون يجرم حالات تضارب المصالح التي يتم رصدها بشكل يومي، لا سيما في الصفقات العمومية، إضافة إلى عدم توفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.

خلَّف سحب الحكومة المغربية مشروع تعديل القانون الجنائي، الذي كان يجرم الثراء غير المشروع، جدلاً واسعاً حول نيات الحكومة في مجال مكافحة الفساد، ويقول سمير بوزيد، نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، “لقد تابعنا بقلق كبير سحب مشروع القانون الجنائي 10.16، ذلك المشروع الذي جاء استجابة للمطالب والتوصيات الوجيهة للحركة الحقوقية الوطنية والدولية، إذ أصدرت العديد من التقارير التي حثت على تحديث وتطوير المنظومة الجنائية”، معتبراً أن تحديث المنظومة القانونية يتطلب نهج سياسة جنائية جديدة، وأن تطوير الطرق القضائية البديلة يتطلب المحافظة على التراكم الذي حققه المغرب على مستوى الإصلاحات الحقوقية والمؤسساتية.

من جانبه، أكد الصدقي أن “تجريم الإثراء غير المشروع أضحى ضرورة ملحة، إذ لم يعد من المقبول في بلد يتفشى فيه الفساد وتبذير المال العام بشكل مزمن ونسقي، أن يظل الاغتناء غير المشروع للموظفين وباقي المؤتمنين على تدبير الشأن العام من دون ردع جنائي”، مشدداً على ضرورة اقتران جميع العقوبات الجنائية بمصادرة الممتلكات المكتسبة بصفة غير شرعية، وذلك بهدف تأكيد الإرادة على توطيد النزاهة في تدبير الشأن العام وسيادة القانون.

ويوضح عضو “ترانسبارنسي المغرب” أن سحب الحكومة المغربية مشروع القانون الجنائي من مجلس النواب، قد يثير عدة مخاوف باعتبار أن اختلاس المال العام، وعدم تفعيل مبدأ المساءلة والإفلات من العقاب، هو ما يؤدي إلى فقدان مصداقية المؤسسات وقدرتها على الضبط والتنظيم واستفحال آفة الفساد، ويرسم معالم مغرب يُعاني رشوة نسقية ومعمَّمة.

على الرغم من اعتماد المغرب آليات متجددة لمكافحة الفساد فإن حجم تلك الظاهرة آخذ في التوسع، مما يطرح تساؤلات حول السياسة الناجعة الواجب اتخاذها لمكافحة الظاهرة.

ويشير نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب سمير بوزيد إلى أن “مهمة محاربة الفساد تتطلب الإحاطة الشمولية بهذه الظاهرة للتعرف عن مدى انتشارها ومجالاتها وأسبابها وآثارها، بهدف التمكن من ترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، وتحيين وملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، وتدعيم فعالية ونجاعة مؤسسات المراقبة والمساءلة، والنهوض بالحكامة الجيدة وتعزيز الوقاية من الفساد”.

فيما اعتبر علي الصدقي أن الخطابات المنمقة عن مكافحة الفساد والبرامج والاستراتيجيات غير المفعلة، وهيئات لا تتمتع بالاستقلالية، لا يمكن إلا أن ترهن مستقبل المغرب ليستمر في الوجود في منطقة الرشوة النسقية، وهو ما يسهم، بحسبه، في فقدان الثقة في المؤسسات، وابتذال الفساد لدرجة يصبح فيه جزءاً من تدبير الشأن العام.

وكان رئيس الحكومة المغربية قد تعهد في البرنامج الحكومي أن السلطة التنفيذية “ستعمل جاهدة على تعزيز الصورة المشرفة للمملكة، بخاصة لدى المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية الساهرة على احترام الحريات وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية والشفافية ومحاربة الفساد، وتحسين ترتيب المملكة في مختلف مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية”.