تقرير : مفتاح تأمين تدفقات الغاز الجزائري نحو أوروبا يمر عبر إيجاد حل لملف الصحراء المغربية

0
82

تركّز الحديث خلال الأشهر الأخيرة، حول الخيارات المتاحة أمام الدول الأوروبية لتأمين احتياجاتها من الغاز، في حال استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ومن بين الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الجزائر، القريبة من أوروبا على الجانب الآخر من البحر المتوسط.

فهل بإمكان الجزائر أن تضطلع بهذا الدور “نيابة” عن روسيا؟ وهل لديها الإمكانيات التقنية لذلك؟ 

أجاب  تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، المتخصصة في الشؤون الخارجية، الأحد، إن مفتاح تأمين تدفقات الغاز الجزائري نحو أوروبا يمر عبر دفع كل من الجزائر والمغرب لإيجاد حل لملف الصحراء المغربية.

وأضاف أن “الجزائر أصبحت معزولة بشكل متزايد بسبب دعم إسبانيا لخطة مغربية من أجل منح الصحراء المغربية الحكم الذاتي واعتراف إدارة ترامب بالصحراء المغربية كأراضٍ مغربية، وهو ما يجعل اللجوء إلى إمدادات الغاز الطبيعي محفوفة بالمخاطر”.

وأشار التقرير إلى أن الجزائر أغلقت خط الأنابيب المغاربي – الأوروبي الذي يمر عبر المغرب إلى إسبانيا منذ 31 أكتوبر 2021 “ما قلل من قدرتها على إيصال غازها إلى الأسواق الأوروبية، ويأتي هذا في وقت يتزايد فيه الإنتاج الجزائري”. 

ومضى قائلا: “إذا كان الاتحاد الأوروبي يأمل في تأمين الغاز الجزائري، فسيتعيّن عليه دفع الجزائر والمغرب للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الصراع”.

واقترح التقرير على البلدين جعل قطاع الطاقة “نقطة تعاون” بسبب قرب المغرب من إسبانيا ووجود بنى تحتية لنقل الإمدادات، بالإضافة إلى دور الجزائر كثالث أكبر مورد للغاز نحو أوروبا.

وتابع: “يجب على الدول الأوروبية أن تؤكد على المكاسب الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تجنيها الجزائر العاصمة عندما تصبح المورّد المفضل للغاز إلى أوروبا، كما يمكن للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، استخدام صفقات الطاقة لاستعادة الانكماش الاقتصادي بنسبة 5.5 في المائة بسبب جائحة كوفيد 19”.

وأكد التقرير أن المغرب والجزائر يعانيان في الوقت الراهن من انكماش اقتصادي ويحتاجان إلى رأس المال لتنويع اقتصاداتهما، وأن “التعاون بين البلدين في مجال الطاقة – حتى وإن كان محدودا – يصبّ في مصلحتهما ومصلحة أوروبا معاً”. 

ويعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في أكثر من ثلث حاجاته من الغاز، ومن شأن أي تعطل للتدفقات أن يفاقم أزمة للطاقة دفعت بالفعل فواتير المستهلكين إلى مستويات شديدة الارتفاع.

معوّقات تقنية وقانونية

الخبير الاقتصادي الجزائري، والمختص في أسواق النفط، عبد المالك سراي، يرى من جانبه أن هناك أسبابا عديدة تجعل من الصعب على الجزائر أن تحل محل روسيا التي تعتبر أول مصدر للغاز في العالم.

وفي حديث لموقع الحرة، قال سراي إن من بين أهم الأسباب التي تعوق الجزائر على ذلك، هو محدودية إنتاجها مقارنة بروسيا، وافتقارها لتقنيات النقل الحديثة، واتفاقات مع الاتحاد الأوروبي تحد حريّتها السوقية.

سراي أكد في سياق حديثه على إشكالية النقل إلى الضفة الأخرى، واشترط أن يتم مساعدة الجزائر، من قبل الدول الأوروبية نفسها لكي تتجاوز هذه الإشكالية وتستطيع تصدير غازها إلى أكبر عدد منها.

وفي الوقت الحاضر تحتل الجزائر المرتبة الثالثة بين كبار موردي الغاز للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، غير أن طاقتها التصديرية عبر ثلاثة خطوط أنابيب فقط، تمتد عبر البحر المتوسط غير مستغلة بشكل كبير.

ولدى الجزائر عشرات المشروعات التي تتوقع الحكومة أن تدر إنتاجا جديدا وتساهم في استقرار تدفق صادرات الغاز إلى أوروبا، إلا أنها في طريق الإنجاز وليست متاحة حاليا.

سراي لفت كذلك إلى أن هناك مشكلة قانونية تقف أمام إمكانية الجزائر بيع غازها لكامل الدول الأوروبية وذلك بسبب بنود اتفاقية أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي تمنعها من أن تبيع مباشرة غازها، مشترطا أن يغير الاتحاد الأوروبي هذا “القانون” لكي يتيح للجزائر أن تساهم في تعويض الغاز الروسي.

وتمنع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الجزائر من بيع الغاز بشكل مباشر من جميع العقود الراهنة والمستقبلية بين شركات من الاتحاد الأوروبي وشركة سوناطراك النفطية الجزائرية الحكومية.

ورغم أن الجانب الجزائري أعاد المفاوضات مع الجانب الأوروبي سنة 2007 بخصوص بعض بنود التقييد التي تضمنتها هذه الاتفاقية، إلا أن تسويق الغاز الجزائري لا يزال محل قيود تفرضها تلك الاتفاقية، وهو ما أشار إليه سراي بـ “العقبة القانونية أمام الجزائر لخلافة روسيا بخصوص بيع الغاز لجميع دول أوروبا”.

سراي أكد كذلك أنه بموجب هذه الاتفاقية فإن الجزائر ممنوعة من تخزين وتسويق الغاز في أوروبا، وهو ما يعيق الهدف المرجو منها بإشباع حاجيات أوروبا. 

من جهته، قال المؤرخ والأكاديمي أ.د محمد الأمين بلغيث في تصريح سابق: إن “الجزائر تضمن لأوروبا 30 بالمئة من احتياجاتها من الغاز، حيث تحتل إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60 بالمئة، ثم إسبانيا بـنسبة 20 بالمئة، وفرنسا 12 بالمئة، والبرتغال 6 بالمئة، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بـنسبة 1 بالمئة. تحتل الجزائر المركز الـحادي عشر عالميا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي التقليدي والمقدرة بحوالي 159 تريليون قدم مكعب، وتملك احتياطيات مؤكدة من البترول التقليدي بحوالي 12,2 مليار برميل، من بينها 3,9 مليار برميل بحقل حاسي مسعود”. 

وتابع بلغيث: “في ظل الحرب الروسية الأوكرانية طرأت مشكلة التزام الدول المنتجة للنفط والغاز ومنها الجزائر وإيران وقطر (بحصصها أو ضخ كميات إضافية استجابة للطلب الأمريكي). والمعروف في العلاقات السياسية والاقتصادية أن هنالك التزامات واتفاقيات بين الدول وهو الملاحظ من خلال الموقف الإماراتي، الذي عادة ما يكون إلى جانب الغرب برمته ولو على حساب بعض الأولويات المتعلقة بالعلاقات العربية ومع دول منظمة الأوبك (المصدرة للبترول)”. 

وبالنسبة لموضوع خط الأنابيب العابر للمغرب، قال بلغيث: “تبقى مسألة السيادة واضحة في التجاذبات بين أوروبا: زيارة وزيرة الخارجية الإيطالي والاتصالات الدبلوماسية الأمريكية كلها تحرج الجزائر للتخلي عن مبادئها تجاه أصدقائها من جهة، ومن جهة أخرى التزاماتها تجاه شركائها ومنهم روسيا”.

وقال بلغيث أيضا: “لهذا لا يبدو ممكنا في القريب العاجل إعادة فتح خط الأنابيب المغاربي-الأوروبي المار بالمغرب نتيجة للظروف التي مرت بها العلاقات المغربية الجزائرية والتي وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية. الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح هذه العوائق وفي السياسة والاقتصاد لا توجد قطيعة لكن يبدو أن الطرف الجزائري يتحرج كثيرا من التدخل فيما تراه مسألة سيادية”.

يقترح المغرب منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا تحت سيادته “في إطار وحدته الترابية”، كحل وحيد لإنهاء النزاع القائم منذ العام 1975 مع جبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم مدعومة من الجارة الجزائر.

عرض المغرب “مبادرته للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء” في 11 نيسان/أبريل 2007، استجابة لدعوات مجلس الأمن الدولي الذي يتولى النظر في هذا النزاع، بغرض التوصل إلى “حل سياسي نهائي” له.

تعزز الموقف المغربي مؤخرا بإعلان إسبانيا، التي زار رئيس وزرائها بيدرو سانشيز الخميس الرباط، تأييد مقترح الحكم الذاتي. وهي الخطوة التي فتحت الباب أمام تطبيع علاقات البلدين، بعد أزمة دبلوماسية حادة دامت نحو عام.

بعد أن التزمت الحياد لعقود، باتت مدريد تعتبر أن خطة الحكم الذاتي هي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” في الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة.

انضمت بذلك إسبانيا إلى الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا التي تعتبر المقترح المغربي “جديا وذا مصداقية”، فضلا عن الاتحاد الأوروبي الذي تربطه اتفاقيات اقتصادية هامة بالمغرب. لكن كل هذه الأطراف تؤكد في المقابل أن أي حل يجب أن يكون في إطار الأمم المتحدة، و”مقبولا للطرفين”.

 

 

أول مشاركة إسرائيلية في مناورات الأسد الإفريقي بالمغرب