فضيلة النقاش بين مختلف مكونات القطاع الثقافي ببلادنا محمودة، بناء على أرضية مقترحات وجيهة

0
162
عبد الحكيم قرمان الخبير المهني المتخصص في الملكية الفكرية

مبادرة الوزارة التشريعية لاخراج المكتب المغربي لحقوق المؤلفين من وضعية اللبس نحو الماسية والحكامة، مكسب استراتيجي للوطن.

أعد الحوار: عبد اللطيف بوجملة مع  الخبير المهني المتخصص في الملكية الفكرية ،عبد الحكيم قرمان، لـ”المنعطف”

حول العديد من القضايا المرتبطة بالنقاش العمومي الذي يشهده قطاع حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة في سياق التفاعلات المختلفة لعدد من المبدعين والمهنيين والمهتمين مع مشروعي القانونين المعروضين على المؤسسة التشريعية، يتعلق الأمر أولا بمشروع  القانون رقم 66.19 بتغيير وتتميم القانون رقم 02.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة،  وثانيا بمشروع القانون 25.19 الهادف لتحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين إلى هيئة عمومية للتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة. 

ولعل ما أثاره المشروع الثاني أساسا، من سجال وتدافعات ومواقف متباينة، وفي جزء منها، متعارضة ومناقضة لرؤية ومقاربة السلطة الحكومية الوصية على القطاع، ممثلة في وزارة الثقافة والشباب والتواصل، تستوجب الوقوف عند هذه الوقائع الجارية بكثير من التحليل الموضوعي والشرح الدقيق لمضامين هذين المشروعين سعيا لتوضيح المفاهيم وإثراء النقاش العمومي الرصين من زاوية الخبرة العلمية الأكاديمية والمهنية.  لتسليط مزيد من الضوء على هذا السجال، التقت “المنعطف” بالدكتور عبد الحكيم قرمان الباحث والخبير المهني المتخصص في الملكية الفكرية، ورئيس قسم العلاقات الدولية بالمكتب المغربي لحقوق المؤلفين سابقا،و يشغل الآن مهمة رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية؛فكان الحوار التالي:

• وبناء على ما سلف، نسائلكم أستاذ عبد الحكيم قرمان الخبير المهني والأكاديمي في الملكية الفكرية، عن قراءتكم الأولية لما يجري ويدور في خضم الحالة الراهنة لقطاع حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة في ارتباط بمجمل الطروحات والمواقف المتباينة حول مقاربة ورؤية الاصلاح التي تباشرها السلطة الحكومية الوصية بدءا، بتقريبنا أولا من أهم مضامين مشروعي القانونين المعروضين على المؤسسة التشريعية اليوم؟

ج: بداية، أود التنويه إلى وجاهة وأهمية فتح النقاش العمومي الجاد والمسئول بين مختلف الشركاء والمهنيين وذوي الحقوق والخبرة وعموم المهتمين وقادة الرأي في المجالات الثقافية والفنية والعلمية والإعلامية، حول مجمل القضايا والإشكاليات المرتبطة بإصلاح وتطوير قطاع الملكية الفكرية عموما، ومجال حقوق التأليف والحقوق المجاورة على وجه التخصيص. 

وأعتبر أن مبادرة الوزارة الوصية لتمديد فترة التداول وتلقي المقترحات والاستماع إلى مختلف الشركاء والمعنيين بمشروع تحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين إلى مؤسسة عمومية،  يعد مسلكا عقلانيا ومقاربة تشاركية فضلى، بالنظر لأهمية الرهانات المجتمعية، القانونية، المؤسسية، التدبيرية والتنموية، المطروحة على مجمل الشركاء والفاعلين والمرتفقين، في أفق تطوير المنظومة برمتها بما يطور القطاع الثقافي والفني وشتى فروع المهارات والمهن والمهارات المتصلة به، وكذا الارتقاء بأوضاع المبدعين وتثمين إسهاماتهم في نهضة ورقي المجتمع. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار ما يشهده القطاع من نقاش وتداول وسجال (خصوصا من لدن المهنيين وذوي الحقوق والخبرة وعموم المهتمين الملتزمين بفضائل الحوار والاختلاف البناء.

ومن باب تدقيق الأمور، أود أن أشير إلى أن برنامج تسريع وثيرة الاصلاح التي تباشرها الوزارة الوصية على قطاع حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة في شقيها المرتبطين أساسا: بالتجويد والتحيين القانوني من جهة،  وبالتطوير المؤسساتي من جهة ثانية، ليس وليد اللحظة أو الظرفية الراهنة بالمعنى السياسي والتنظيمي. وذلك يعني أن ما نشهده اليوم من نقاشات ومقترحات وحتى بعض السجالات هنا وهناك، ينبغي أخذها بكثير من التنسيب بوضعها في سياقها ومنطلقاتها الجزية والذاتية الخاصة بها، حيث أن مشروعي القانونين المذكورين، هما ثمرة مسلسل ممتد لعمليات تطوير متدرج باشرتها السلطات الحكومية الوصية على قطاع ومكتب حقوق الملكية الأدبية والفنية، منذ أكثر من عقدين من الزمن، لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، ولقد سايرت شخصيا، سواء من موقع المسؤولية في إطار مهام العمل ضمن طواقم بعض وزراء قطاع الثقافة والاتصال، أو مسؤول بالإدارة العامة للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، أو كباحث وأكاديمي ومؤلف، أو كخبير مهني ورئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية.

وتأسيسا عليه، أظن أنه من باب البديهيات التأكيد بأن فضيلة النقاش والتشاور والحوار بين مختلف مكونات القطاع الثقافي والفني والتواصلي ببلادنا كمقاربة إشراكية محمودة ومفيدة، بناء على رؤى ومشاريع ومقترحات وجيهة، موضوعية وبناءة وبمنظور ومقاربات تعضد العمل الجماعي في نطاق حفظ التوازن بين ترقية الأوضاع المادية والاعتبارية لعموم المبدعين وحفظ المصلحة العامة. لكن ينبغي التأكيد أيضا، أنه  من المجحف أن نسمع ونرى اليوم بعض الخرجات والمواقف المتهافتة تتحدث عن المشروع الاصلاحي الذي تباشره الوزارة الوصية وتحاول تسريع وثيرته التشريعية والتحديثية، وكأنه “بدعة أو تجاوز أو تدخلا” من الوزارة في شؤون “المكتب المغربي لحقوق المؤلفين بصيغة معيبة”؟؟ وهنا ينبغي رد الأمور إلى نصابها وتصويب ما قد يدخل في باب “المزايدة والتدافع بمسوغات مشحونة بالتخندق وراء متارس الذاتية وتبخيس ما قامت به الوزارة الوصية على امتداد عقود من الزمن، وهي تكفل وتدعم المكتب بالموارد المالية والبشرية وتباشر الاصلاحات التشريعية وبلورة المقاربات والمداخل الاصلاحية الكفيلة بتطوير الجوانب التدبيرية وتجويد الأداء المؤسسي وتوسيع الاختصاصات ومجالات التنظيم والتأطير القانوني من أجل توسيع وعاء المحاصيل والمواد المالية لتعضيد الحقوق المادية للمبدعين وتوزيعها عليهم وعلى ذويهم من أصحاب الحقوق. 

والغريب في الأمر أن بعض الخطابات المتسرعة تحاول اختلاق وضعيات “متخيلة ” توحي للمتتبع غير المطلع على مختلف زوايا المسألة وكأن هناك جهة ما ستسطو على المكتب وتستولي على مقدراته وتهمش منخرطيه المبدعين ؟؟؟ والواقع أن الوزارة الوصية في شخص مختلف المسؤولين المتعاقبين على القطاع، هي من بلورت ومنذ سنين، باستشارة وتنسيق مع ممثلين عن هيئات نقابية ومهنية، على تطوير وتحيين القانون المنظم لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة عبر مختلف المحطات التشريعية لهذا النص ( القانون 02.00 ثم القانون 34.05 ثم القانون 79.12 على أن وصل إلى المشروع المعدل والمتمم رقم 66.19 المعروض حاليا على أنظار البرلمان)، لذلك فالتمترس خلف مصطلحات ومفاهيم مستوحاة من سياقات متباينة تماما عن وضعية وخصوصيات القطاع الثقافي والفني والسياسات العمومية المؤطرة له دستوريا ومؤسسيا من قبيل “استقلالية المكتب بالشكل الملتبس الذي يتناوله البعض يعد في نظري تعويما للنقاش الجدي والعميق والنافع لترقية أوضاع المبدعين المغاربة وتنمية الصناعات الثقافية والإبداعية الخلاقة كمرتكز من مرتكزات التنمية الاقتصادية للأمة وكمدخل لتحقيق نهضتنا المجتمعية في بعديها المادي واللامادي. 

وخلاصة القول، أعتقد بأن تمديد فترة الحوار والنقاش وتقديم وتلقي مقترحات مجمل المكونات والفعاليات والخبرات المكونة الجادة بالقطاع قبل بث المؤسسة التشريعية في مشروعي القانونين المعروضين عليها، هي مبادرة محمودة من لدن السلطة الحكومية الوصية والأهم في اعتقادي اليوم، هو إخراج المكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة من وضعيته القانونية الملتبسة نحو مؤسسة للتدبير الجماعي بخصوصيات وطنية مغربية مكتملة الأركان، المهنية والمؤسسية بأداء فعال وبجودة خدمات شفافة ومنصفة وعادلة مجاليا وفي الحقوق وبين مختلف مكونات الجسم الإبداعي ببلادنا. 

• كيف يمكن في نظركم، كائتلاف مغربي للملكية الفكرية، الخروج من هذه المفارقة بين استقلالية مالية تحت الوصاية… ؟ خاصة ما يتصل بإشكالية الاستقلال المالي الخاص باستخلاصات الحقوق المادية للمؤلفين من مختلف المستهلكين للمصنفات المحمية لأصحابها من جهة، وسبل اخضاع قانون النسخة الخاصة القانون العام وهل يعني ذلك اخضاعها للميزانية العامة ؟

ج: المسألة في تصورنا تكمن بدءا، في أهمية إخراج مشروع القانون بعد ما يفوق نصف قرن من الزمن والمكتب المغربي لحقوق المؤلفين في صيغته القانونية الهشة وفقا لمرسوم 8 مارس المحدث له. وأعتقد جازما من موقعي كرئيس للائتلاف المغربي للملكية الفكرية، بأن إضفاء صفة المؤسسة التدبيرية الجماعية كما ورد في مشروع القانون 25.19 المعروض ضمن المسطرة التشريعية، بعدما تعثرت مبادرات عديدة لاستصداره،خلال العشرينية المنصرمة، هو مكسب مهم جدا قد لا يعلم البعض اليوم حجم الجهود والمحاولات المضنية  والمبادرات المتوالية لبلورته وإخراجه إلى حيز الواقع .

 لذلك، أفترض بأن إقدام السلطة الحكومية الوصية على تسريع وثيرة الاصلاح المؤسسي والقانوني للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين، هو عمل محمود وضروري ولا محيد عنه كمدخل أولي ومرحلة جديدة تؤسس لمسار اخر من العمل والبناء والتجويد والارتقاء المتواصل لوضعية الإبداع والمبدعين ببلدنا السعيد في كنف القانون وبالاستناد إلى معايير الاستحقاق والعطاء ووفقا لقواعد التدبير الناجع والشفاف لموارد المكتب وتوزيعها بشكل عادل على دوي الحقوق بناء على معايير قانونية واضحة وملزمة. 

وعلاقة بسؤالكم، أود التنويه في البدء بأن النقاش هنا، يستوجب الـتأكيد بأن تضمين مشروع القانون السالف الذكر لمبدأ المراقبة المالية من باب الحرص على التدبير الشفاف والناجع في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، هو أمر لا يعني التدخل في شؤون ومهام وإدارة شؤون المؤسسة ومنخرطيها حسب ما هو موكول لها بموجب القانون وتحت مراقبة مجلس الإدارة الذي يضم إلى جانب ممثلي الإدارة الوصية ممثلين عن الهيئات المهنية للمبدعين وخبراء مهنيين ومتخصصين، يسير في أفق التأسيس لثقافة التدبير الجماعي التشاركي في افق انضاج الشروط الموضوعية المطلوبة لإنتاج نموذج تدبيري متطور على غرار ما هو معمول به في بعض البلدان القربية من خصوصياتنا الثقافية والمؤسساتية. 

من جهة ثانية، يصعب الحديث عن ذلك المفهوم المروج له من طرف البعض، متمثلا في “الاستقلالية ” لكون موارد المكتب المادية المستخلصة كحقوق أصيلة للمبدعين لا تتجاوز عشرة في المائة  مما هو مستحق لهم في الواقع، وهذا راجع لأن المكتب ينبغي أن يتحول إلى مؤسسة عمومية مدعومة بالقانون وبمؤازرة مختلف السلطات العمومية المختصة لتيسير عمل المكتب في استخلاص موارده المستحقة لدى المستغلين للمصنفات المحمية. أما فيما يتعلق بمداخيل النسخة الخاصة وهي النسبة الكبيرة من الموارد المادية في ميزانية المكتب، في استثناء عن الحقوق الأصلية المستحقة للمبدعين، وبالتالي فإن فرض إتاوة المكافأة عن النسخة الخاصة، جاءت عبر مبادرة تشريعية للسلطة الحكومية الوصية وفرضها على الملزمين بأدائها كتدبير قانوني استثنائي لدعم وجبر الضرر من افة القرصنة وللحماية الاجتماعية والمساهمة في التنمية الثقافية وولوج الصناعات الثقافية والإبداعية الخلاقة. بالتالي فإن موارد النسخة الخاصة باعتبارها الجزء الأكبر اليوم في تركيبة ميزانية المكتب، هي موارد محصلة من دافعي الضرائب وليست بحقوق مادية أصلية للمبدعين. وعليه فإن الحديث المبالغ فيع عن استقلالية التدبير المالي بمعنى عدم وجود أية وصاية لأي سلطة عمومية أو رقابية، هو حديث غير مؤسس علميا ولا يستقيم منهجيا في الواقع. 

وتأسيسا على وجهتي النظر المطروحة للنقاش والحوار والتداول، نرى في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، بالارتكاز على ميثاق المرجعية الفكرية والبرنامج الترافعي للائتلاف باعتباره هيئة مدنية، حقوقية وترافعي متخصصة في المجال، نعتقد جازمين بأن تسليط الضوء على مختلف جوانب الإشكالية، في محاولة لاستقرائها موضوعيا من مختلف الزوايا بعيدا عن الغلو والمزايدة العقيمين أو الاستسهال والتبخيس الساذجين للمسألة هو المسلك الموضوعي السليم والمنتج. 

• يتحدث المهنيون عن طفرة نوعية في إدارة وحكامة المكتب منذ نهاية ولاية الحكومة السابقة قبيل مغادرة الوزير محمد الاعرج ؛ ما هي أوجه النهوض بادارته وحكامته؛ وما تأثيرها على المؤلف بالمقارنة مع هزالة تعويضات  الماضي؟ 

في الواقع، يصعب الدفع بمثل هذه المقاربات التجزيئية في مسار تطور وانضاج شروط الإصلاحات المتلاحقة منذ بداياتها الملموسة مع الراحل العربي المساري، ثم نبيل بعبد الله وبعده خالد الناصري فمصطفى الخلفي ومن تلاهم من الوزراء كمحمد الاعرج والحسن عبيابة وعثمان الفردوس وحاليا محمد بنسعيد، لكونهم جميعا، طبعا مع اختلاف درجات الانخراط وبلورة المقترحات وتفعيل البرامج من وزير لآخر. وعطفا على تفضلتم به في مضمون سؤالكم، يمكن القول مثلا، بأن محمد الأعرج، قد عمل على إخراج قانون النسخة الخاصة الذي تمت بلوته كمشروع خلال فترة خالد الناصري. 

ثم لا ننسى بأن المكتب المغربي لحقوق المؤلفين لم يصل الى ماهو عليه اليوم، لولا دعم سلطة الوصاية المادي وبالموارد البشرية، بحيث خصصت له الوزارة إمكانيات معتبر في كثير من مراحل تطوير خدماتهن كان ابرزها بلورة عقدي برنامج للتأهيل والتجهيز والتحديث، على مرحلتين بلغت تكلفتهما حوالي 30 مليون درهم. وتبعا لذلك، لابد من وضع مسلسل الإصلاحات التشريعية المتواترة لعقود، في سياق الدينامية المجتمعية والسياسية المؤطرة للتجربة المغربية في سياقها التاريخي، وأذكر في هذا الباب بأن المغرب يعتبر من بين البلدان القلائل الأولى التي انخرطت مبكرا في المنظومة الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية منذ مطلع القرن الماضي، بحيث انخرط في الاتفاقيتين العالميتين الأساسيتين في ما يخص المعاهدة الدولية لحماية حقوق الملكية الصناعية والتجارية لسنة 1883 وكذا المعاهدات الدولية لحماية حقوق الملكية الأدبية والفنية لسنة 1886.

فالمغرب عرف تطورات ملحوظة في مجال إرساء البنيات القانونية والمؤسسية مبكرا في مجال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بحيث كان عضوا منذ سنة 1943 ضمن إطار المكتب الإفريقي لرجال الأدب وكتاب المحاضرات (BADA ) وبعدها تمت مغربة الهيئة ليتم تأسيس المكتب المغربي لحقوق المؤلفين سنة 1965 ثم بعد ذلك تم وضع أول قانون وطني جامع سنة 1970 ، نسخت بمقتضاه الظهائر السلطانية الثلاث التي كانت بموجبها تنتظم اليات الحماية والتدبير الخاصية بالحقوق المادية والمعنوية للمبدعين منذ عهد الحماية، مرورا بوضع القانون رقم 02.00 لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة لسنة 2000 ليتم تعديله بالقانون 34.05 سنة 2006 وصولا إلى التعديل الأخير بموجب القانون 79 .12 لسنة 2014 من أجل المواءمة وإقرار مقتضيات جديدة متصلة بتدبير ” المكافأة عن النسخة الخاصة”. وها نحن اليوم نخوض تجربة تشريعية متجددة تروم تحويل المكتب إلى هيئة عمومية للتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة كمحطة تأسيسية نوعية ستفضي لا محالة إلى محطات أخرى للتجويد والتطوير. 

من ناحية ثانية، وارتباطا بأحاديث البعض “عن طفرة نوعية في إدارة وحكامة المكتب منذ نهاية ولاية الحكومة السابقة”، فهذا خطاب مجانب للصواب وفيه الكثير من الإطناب والمجازفة الذاتية أكثر منه كلام يفيد، ولعل الوقائع والتقارير الصادرة عن مؤسسات الدولة المختصة تقول عكس ذلك. وسأعطيك مثالا بسيطا للتدليل على ذلك، ألفت انتباه عموم المبدعين المنخرطين بالمكتب وذوي الحقوق، بأن واقع الحال يفيد بعدم تمكن المكتب المغربي لحقوق المؤلفين ومنذ تأسيسه إلى اليوم، باستخلاص أكثر من 10 في المائة من الحقوق المادية المستحقة للمؤلفين في ذمة المستهلكين والمستغلين للمصنفات المحمية بموجب القانون، بينما تضيع ال90 في المائة الباقية ولا أحد يترافع أو يثير النقاش حول هذه الإشكالية العويصة، ولا نسمع خطابات تقترح الحلول لمعالجتها.ويضل السؤال المعلق، الذي نلفت عناية مختلف الهيئات النقابية والمهنية والترافعية تأمله والسعي للجواب عنه بخصوص توزيعات “تحصيلات النسخة الخاصة” ( وهي بالمناسبة ليست بحقوق أصلية وثابتة بمنطق الإبداعية والإنتاج بل هي تدبير خاص وتقنين يشكل استثناء عن القاعدة).

ولذلك نجد الترافع لدى البعض مفرط في الذاتية والتهليل والتبشير والتطبيل في غير ما ينبغي له، عوض الانشغال ببذل الجهود لترقية أحوال الثقافة والفنون ورعاية وثمين حقوق المبدعين عوض التحول إلى ناطقين باسم إدارة المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، لتسويق منجزات مفترضة “تتعلق بتنامي المداخيل” والتي ليس للمكتب أي دور فيها، بل الفضل كل الفضل لإدارة الجمارك التي تستخلص الاتاوات على دعامات تحميل المضامين الأدبية والفنية المحمية، باقتطاع تلك الأدوات من المصدر على الملزمين بدفعها. وهنا نتساءل كذلك؛ أليس من باب التضليل والعبث، تنظيم الحملات وصرف الموارد في الدعاية والتسويق لنجاح وفعالية مؤسسة الجمارك على أنها منجزات لإدارة المكتب في تطوير واستخلاص ” مداخيل كبيرة” لفائدة المبدعين؟ وهي المداخيل التي تشكل الاستثناء عن الحقوق الأصلية والأصيلة للمؤلفين والتي لا يستطيع المكتب تحصيل ولو نسبة 10 في المائة منها؟؟ ألا  تبرز مثل هذه الممارسات الشائنة والمغالطات التي يسوق لها العديد من المكلفين بمهام “المتكلمين ” باسم إدارة المكتب، صورة واضحة المعالم للفشل الذريع للمكتب في تدبير الحقوق الأساسية التي وجد من أجل استخلاصها وتثمينها وحسن تدبيرها وتوزيعها الشفاف العادل على ذوي الحقوق؟ 

• طيب، بناء على ما تفضلتم به في هذا الاستقراء العام لمسلسل التطوير والتحديث، هلا أطلعتمونا عن كيفية  ومساطر الحماية المطلوب الاجابة عنها من طرف المشروع الجديد هذه المكتسبات ؟

مع كل ما تحقق من تراكمات إيجابية وبصرف النظر عن الاختلالات والنقائص الكبير التي رافقت مسار التدبير والإدارة فيما يخص استخلاص وتوزيع المستحقات على ذوي الحقوق على مدى أكثر من خمسة عقود، لازال المغرب يسجل العديد من الفراغات التشريعية والتنظيمية في هذا الباب، يذكر منها تأخر صدور النصوص المتعلقة بمساطر وكيفيات التحصيل وفقا لجداول مضبوطة ومتوافقة مع خصوصيات القطاع ووضعيات الملزمين بالأداء، وغياب نص قانوني ينظم كيفيات ومعايير وفئات المستهدفين وذوي الحقوق والاستحقاق، نظرا لتأخر توضيح الصفة القانونية والتدبيرية للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين وغياب نصوص قانونية تطبيقية للعديد من الاختصاصات والمهام والمجالات الموكولة له في القانون الجديد 79.12. كما لم يتم إصدار نص تطبيقي جوهري يضبط المساطر ويحدد المعايير والفئات المستهدفة وينظم كيفيات واليات وشروط تدبير وتوزيع محاصيل “المكافأة عن النسخة الخاصة”، بدءا باستخلاص وتوزيع الحقوق المادية للمؤلفين وذويهم وفقا لمعايير وآليات شفافة ومنصفة.

وبناء على اطلاعنا على مشروع القانون رقم 25.19 الرامي إلى تحويل المكتب المغربي لهيئة عمومية لتدبير حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، ومن خلال تقديم السيد محمد بنسعيد وزير الثقافة والشباب والتواصل للمشروع،  يتبين أن النص المعروض للنقاش والمصادقة عبر المسطرة التشريعية الجاري بها العمل، تتلخص في المحاور الأساسية التالية:

أولا، سيتم توضيح الشخصية والصفة القانونية والمؤسسية للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين وإخراجه من وضعية الغموض والالتباس والهشاشة القانونية والتدبيرية التي رافته لأكثر من نصف قرن. وهكذا “سيتمكن المكتب ، بفضل هذه الوضعية القانونية الجديدة، من لعب دور ديناميكي في ميدان الملكية الأدبية والفنية باستعمال أدوات متقدمة وأنظمة معلوماتية حديثة تمكنه من رفع المداخل وتحسين التوزيعات، في انسجام مع مقتضيات القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تغييره وتتميمه”.

ثانيا، تضمن مشروع القانون مجموعة من المستجدات المتعلقة أساسا بإحداث مجلس إدارة يتمتع بجميع الاختصاصات اللازمة لإدارة المكتب، ويضم ممثلين عن الإدارة وهيئات المهنيين، إضافة إلى مجلس للتوجيه والتتبع الذي يضم خبراء ومختصين، يضطلع بمهام استشارية وتوجيهية تهدف إلى النهوض بمجال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وحمايتها تفعيلا لمبدأ الحكامة الجيدة.

ثالثا، يفرد مشروع القانون المذكور، بابا خاصا لقواعد تدبير حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، حيث تم التنصيص على إطار قانوني لآليات استخلاص وتوزيع هذه الحقوق على ذويها، وكذا باب للتنظيم والمراقبة المالية للمكتب.

رابعا، تنصيص مشروع القانون رقم 25.19 على إحداث صندوق اجتماعي لفائدة المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة قصد تمكينهم من نظام للتغطية الاجتماعية، ارتكازا على أحكام دستور المملكة الذي يقر ويضمن حماية الإبداع والتعبيرات الثقافية المنصوص عليها في الفصول 5 و 25 و 26 منه.

 بذلك، فقد أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، خلال تقديمه للمشروع، على أن التداول والمصادقة على هذا النص تكتسي أهمية قصوى، لكونه الأول من نوعه على الصعيد الوطني، “ولبنة أساسية لتحصين المكتسبات وتمكين المملكة من تدارك الخلل التنظيمي للمكتب في صيغته الحالية والتوفر لأول مرة على مكتب حديث بأجهزة تدبيرية وتقريرية تمكنه من تسريع وتيرة تنفيذ التزاماته تجاه محيطه، والرفع من كفاءته المهنية بما يستجيب لتطلعات المبدعين وترسيخ ثقافة الملكية الفكرية”.

وعلى هذا الأساس أتوقع أن تنتبه السلطة الحكومية الوصية إلى ضرورة مواصلة الحملات التحسيسية عبر كافة وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة لإشاعة ثقافة المواطنة في مجال حقوق الملكية الفكرية، وإبراز مخاطر و أضرار القرصنة وانعكاساتها السلبية اقتصاديا واجتماعيا وفنيا، وتنظيم حملات توعية للمقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في هذا المجال، وكذا إبرام اتفاقيات مع المؤسسات الإذاعية والتلفزية ومتعهدي خدمات السمعي البصري والالكتروني بشأن الحضور الإعلامي والإعلاني لموضوع حقوق المؤلف والحقوق المجاورة عبر مختلف الوسائط التواصلية .

كما يؤمن الأكاديمي المغربي بأهمية إبرام اتفاقيات تعاون و شراكة مع القطاعات الحكومية من أجل التربية على حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة و إدماج هذا الموضوع في البرامج و المقررات الدراسية بالمعاهد و المدارس العليا التابعة لها، وإشراك المبدعين و الفنانين في التحسيس و التوعية بأهمية احترام حقوق الملكية الفكرية، اضافة الى إنجاز دراسة حول إمكانية إحداث صندوق للتقاعد خاص بالمبدعين.

وعلى هذا الأساس نرى في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية بأن وصول المشروع الى مرحلة التداول والتطوير وعلى مشارف المصادقة، من شأنه أن يشكل قطيعة منهجية ومؤسسية مقننة مع مرحلة الاختلالات والالتباس والأزمة  إلى مرحلة التنظيم المحكم وتوضيح المهام وتعزيز البنيات المؤسسية وتطوير الحكامة الجيدة، بما يعني في تصورنا التأسيس لنظام جديد للتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والاندراج في أفق إرساء قواعد الصناعات الثقافية والإبداعية الخلاقة.  

• اخيرا يتسلح المهنيون والنقابات بالحوار والتشاور وياخذون على الوزير الجديد عدم الاخذ بنص وتصويباتهم ومطالبهم المشروعة والتي سبق وابدوا بها في الحوار الذي هيا لهذا المشروع ما بين سنة 2019 و 2020،  ماذا تقول هذه المواد ولماذا اهملت مطالب المهنيين في رايكم ؟

نحن في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية ومنذ تأسيسه عملنا وترافعنا بقوة على امتداد ربوع الوطن على عقد عشرات المنتديات واللقاءات والندوات الفكرية والتشاورية وتقدمنا بوثيقة تتضمن خلاصات سنوات من العمل المهني الميداني والبحث والدراسة والتكوين والمشاركة في مختلف التظاهرات الوطنية والدولية، في شكل مشروع متكامل يدعو إلى عقد مناظرة وطنية حول القضايا والرهانات الكبرى لتطوير منظمة حقوق الملكية الفكرية ببلادنا وخصوصا منها الجوانب المتعلقة بترقية وتقنين وتجويد أداء وخدمات وواقع حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بالمغرب. 

وعطفا على ذلك، أكدنا دائما على فضيلة الحوار والتشاور بين المسؤولين عن بلورة وتنفيد السياسات العمومية ومختلف الشركاء والفاعلين والمنتسبين والمختصين والمعنيين بالقطاع تكريسا لمقتضيات الدستور المغربي. من جهة أخرى، يطرح السؤال المنهجي كذلك حول بعض الطروحات المتشنجة وغير المبنية على أسس علمية أو مهنية أو حتى مقارنات وجيهة مع تجارب دولية أخرى، لماذا لم نسمع بها بنفس الحماس والقوة في وقت سالف كان المكتب مثار وموضوع تساؤلات واختلالات وتقارير للمجلس الأعلى للحسابات وللمفتشية العامة للمالية، حول شتى انواع الفساد والريع وسوء التدبير والشطط والتوظيفات المشبوهة وهواية التسيير واستفادة بعض من “المتحدثين” الذين نراهم اليوم يزايدون على الجميع بأغلظ “العبارات” ومشاعر “الخوف والتوجس من مالات الاصلاح الجاري” وتاثيراته المحتملة على واقع المبدعين وحقوقهم المرعية بموجب القانون. وفي كل الأحوال، نحن في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، نتفهم جيدا مطالب المبدعين وممثلي الهيئات المدنية والنقابية الجادة والحاملة لمشاريع حقيقية ورؤية علمية ومسؤولة للعمل والمساهمة في مسارات التطوير والإصلاح لكننا كنا ولازلنا وسنظل، ضد كل أشكال المزايدة والنرجسية والتضليل. وفي كل الأحوال، نعتقد في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، أن مبادرة الوزارة الوصية لاخراج المكتب من وضعية اللبس والعشواية الى بر المأسسة والحكامة، مكسب استراتيجي للوطن ولأهل الثقافة والفنون.

• في حال المصادقة  على  مشروع القانون 25.19، مع الإغناء طبعا، ما هي تقديراتكم  لنتائج تطبيقه و اية ملاحظات أو اقتراحات يقدمها ائتلافكم المكغربي للملكية الفكرية في هذا الأفق؟ 

بناء على ما سلف من توضيحات في إطار تبادل الرأي والحوار وممارسة حقنا في الاختلاف، بمنطلقات مواطنة ووطنية صادقة للإسهام بجدية ونزاهة فكرية، وبنية حسنة في الدفع بعجلة الإصلاح والتطوير إلى مداها، كي تندرج بلادنا ضمن نادي التارج المهنية والتدبيرية الجيدة والناجحة لقطاع حيوي جدا بالنسبة للتنمية الثقافية والفنية والعلمية وللاقتصاد الوطني عبر التأسيس لصناعات ثقافية وإبداعية خلاقة، مدرة للقيمة المضافة ومنتجة للقيم والجمال وتكرم المبدعين في كل المجالات باعتبارهم القوة الناعمة والتنويرية للمجتمع، نقترح ما يلي:

– الإسراع بإخراج مشروعا القانونين المتعلقين على التوالي بتحويل المكتب الحالي إلى هيئة حديثة للتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، مع تحديد وتدقيق العديد من الحقوق الجديدة التي ستدخل نطاق الحماية والتدبير، خصوصا حق التتبع بالنسبة للفنون التشكيلية والمضامين الأدبية والفنية السمعية البصرية والالكترونية والإعلامية وغيرها في إطار نصوص تنظيمية مكملة؛

– نطالب في إطار التصور المستقبلي للهيئة الجديدة بخلق بنيتين مستقلتين عن بعضهما البعض من الناحية المنهجية والعملية، لكن يعملان في نفس الإطار القانوني والمؤسسي الجديد : تخصص الأولى لحماية وتدبير مختلف حقوق المؤلفين الأدبية والفنية الأصلية والأصيلة لذويها، والثانية تخصص لتدبير مداخيل الحقوق المجاورة لحقوق المؤلفين وكذا مداخيل النسخة الخاصة؛

– الإسراع ببلورة نص قانوني أساسي يتعلق بنظام الاستخلاص لمختلف الفروع وعبر مختلف الوسائط ويحدد معايير وضوابط فئات المستهدفين وشروط الاستحقاق والاستفادة من التوزيعات؛

– وضع ميثاق للأخلاقيات ينظم ويحدد الأدوار والعلاقات والمهام بين مختلف المتخلين في القطاع استنادا إلى المضامين المحددة للممارسات الجيدة في نطاق المجالات المشتركة وبالاحتكام إلى منظومة القوانين الوطنية المرجعية بالنسبة للقطاع من قبيل:

– مقتضيات قانون الفنان والمهن الفنية؛

– قانون النقابات ؛

– مدونة الشغل ( خصوصا ما يتصل بشروط ومعايير احتساب التمثيلية المهنية والاعتماد ضمن المفاوضة الجماعية)؛

– القانون 97. 12 المنظم لقطاع حقوق المؤلفين والمشاريع المعروضة على البرلمان ؛

– قانون الصفقات العمومية؛

– قانون الصحافة والنشر:

– القانون المنظم للصناعات السينما توغرافية؛

– القانون المنظم لقطب الاعلام العمومي؛

– والأكيد طبعا، التقيد بالمقتضيات الدستورية للمملكة والالتزامات الدولية للمغرب في مجال حماية وتدبير حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة كما هو معمول بها عالميا.

– إحداث قانون داخلي خاص يحدد اختصاصات كل قطاع على حدا في إطارالمعايير الدولية (CISAC)مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوص المغربية .

المحور الخاص بالشق التدبيري :

– اعتماد منهجية تدبيرية مبنية على الحكامة الرشيدة التي تأخذ بعين الاعتبار الشفافية في فتح مناصب المسؤولية ، إحداث منظومات محاسبتيه ومخططات مالية استشرافية على مدد قصيرة ومتوسطة المدى،

– و تحديد برامج للقطاعات قابلة للتطبيق مبنية على مؤشرات موضوعية و علمية.

المحور الخاص بالموارد البشرية:

– لإنجاح آي مخطط لتطوير المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، لابد من الأخذ بعين الاعتبار اعتماد مقاربة تدبيرية عصرية للموارد البشرية قائمة على الخبرات وتأهيل الكفاءات المتواجدة وتعزيزها بخبرات وموارد وطاقات بشرية جديدة مؤهلة وذات رصيد مهني وقدرة ومعرفة جيدة بالفطاع، وجعل هذه المفاربة الجديدة المعيار الوحيد لأي مشروع إصلاحي للقطاع ولتدبير المكتب مركزيا وحهويا،

– وعليه ومن خلال تجاربنا واحتكاكاتنا اليومية بالمؤلفين وذوي الحقوق، ولاعتبارات موضوعية وعلمية تتلخص رؤيتنا للإصلاح في خمس نقاط أساسية كالتالي:

 مداخل إصلاح المكتب

– التوظيف: تحديد المهام الوظيفية لكل منصب أو مسؤولية، وفتح باب الترشح للمناصب والمسؤوليات أمام الجميع لضمان حسن تطبيق القوانين الجاري بها العمل تكريسا لتكافئ الفرص ولمبدأ الشفافية ووفقا للمساطر الادارية القائمة على الوضوح والدقة في التكليف والتعيين، وبناء على معايير الكفاءة والمهنية، واحداث المناصب وتطوير المهام حسب الحاجة والمصلحة العامة.

– الرواتب: تحديد جداول الأجور وذلك بتبني المكتب نظام خاص بالمستخدمين يأخذ بعين الاعتبار طبيعة وخصوصية العمل داخل ميدان حق المؤلف والحقوق المجاورة تلائم خصوصيات ومنهجيات التدبير التشاركي بالقطاع، ووفقا لمهام مقرونة بتحقيق الأهداف.

– تدبير المسار المهني: من خلال  بلورة منهجية علمية للتكوين والتكوين المستمر مع تحفيز الموظفين للترقي في السلالم الوظيفية.

– تدبير استشرافي للتوظيفات: احداث جداول ودراسات استباقية واستشرافية للوظائف الشاغرة، وتعويض ملائم للخصاص بالنسبة للأشخاص الدين سوف يحالون على التقاعد حتى لا تضيع الإدارة في نقل خبراتهم للموظفين الجدد،  وحتى لا يحدث تقاعدهم خللا على مستوى السير العادي للعمل.

– التواصل : تبني سياسة تواصلية تفاعلية ومنفتحة على الصعيد الأفقي والعمودي داخل المؤسسة، مع محيطها، تحقيقا للنجاعة  وسلاسة و انسيابية المعلومة عبر جميع المرافق المركزية ومن داخل المندوبيات وبعضها البعض،  ومع جميع المتدخلين في القطاع وكذا مع ذوي الحقوق وعموم المواطنين والمهتمين.

• بناء على هذه القراءة العرضانية لمجمل القضايا المثارة اليوم بصدد النقاش الدائر حول مشروع قانون تحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين الى مؤسسة عمومية للتدبير الجماعي، نريد استقراء وجهة نظركم حول سؤال النهضة الثقافية والعلمية ببلادنا، وكيف السبيل إلى جعل الثقافة والمعرفة مرتكزين للتنمية المجتمعية ؟ وأي مسالك منهجية للتفكير حول هذه الإشكالية؟

في تقديري المتواضع، أتصور بأن مقاربة أسئلة التنمية المجتمعية والقضايا المتصلة بالنهضة الثقافية والعلمية للبلد، لابد لها من توفر ثلاثة مداخل منهجية، تستند أولا على إرادة سياسية للدولة والفاعلين الأساسيين في المشهد الثقافي ببلورة سياسات عمومية ناجعة لإحداث التغيير في البنى والتفكير. ثانيا، وجود شركاء ذاتيين ومؤسساتيين قادرين على بلورة المضامين القيمية والتشريعية والؤسسية لاطلاق مشروع ثقافي وعلمي يسهمان في النهضة والتنمية المجتمعية. وثالثا، رصد الموارد والإمكانيات المادية والانشاءات والبنيات الضرورية للتنشئة والتربية والتثقيف والتعليم والتداول العمومي حول القضايا والإشكاليات الحقيقية للتنمية الثقافية وبناء الإنسان، ذاك الكائن المواطن المبدع المتلقي للمعارف والمنتج للقيم، المتفاعل بفكره ومهاراته، الواعي بذاته وسياقه السوسيو ثقافي ومع الآخر المختلف.

وبالنسبة لبلدنا اليوم، فإن كل المقومات والشروط الثلاثة السالفة الذكر قائمة وممكنة، بالتالي شروط النهضة والإقلاع الثقافي والعلمي قائمة ومطلوبة. وهكذا، نجد المرتكزات المرجعية للدستور الجديد تنص على أن”المملكة المغربية دولة ذات سيادة كاملة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء المقومات الثقافية والروحية العريقة والمشتركة بين مختلف مكونات الأمة، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.

كما جاءت مضامين دستور 2011، بما هي خلاصات مسار تحديثي للبنيات والذهنيات، واستشرافات دالة ومحملة بقيم العدالة الاجتماعية والمجالية وتحرير الطاقات والمؤهلات الثقافية والعلمية وتثمين المعارف والمهارات كجزء من التراث الحضاري للمغرب، تلكم المقتضيات الدستورية التي أفرزها الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يروم تطوير ودمقرطة الدولة والمجتمع على حد سواء. وهي نفس المقتضيات التي تكرس وترعى وتؤكد على أن “حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة.” وأن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل إشكالها بموجب أسمى قوانين البلاد.

• بالعودة إلى ما تفضلتم به بخصوص ضرورة اعتماد مقاربة جريئة ومبتكرة للتعاطي مع الإشكاليات والرهانات المطروحة على بلدنا في مجال التنمية الثقافية كمدخل للنهضة المجتمعية، ما هي أدوار النخب والمثقفين في هذا المشروع المجتمعي الكبير؟

إن التساؤلات المطروحة اليوم على مخيلة المثقف والسياسي معا ليست من حجم بسيط يمكن الإجابة عنها بمجرد تعريف اصطلاحي للكلمتين أو حتى بالقفز عليها من خلال استعارة المقاربات والمفاهيم الجاهزة.  إنها تساؤلات تخاطب في العمق كلا الفاعلين (المثقف والسياسي) مع التميز المنهجي لمدلولهما الفكري والاجتماعي وإعادة تركيبهما في نسق مغاير تتحدد بموجبه الأدوار والمسؤوليات المنوطة بهما معا ضمن بوثقة واحدة تتطلب تحليلا جدليا للواقع وما يختلج في ثناياه من تناقضات وأسئلة و قيم. وبالتالي،فان هذين الفاعلين الأساسيين يقفان اليوم جنبا إلى جنب لتأمل الصورة في حركيتها الراهنة لفهمه اأولا ثم لإيجاد الأجوبة الضرورية حول الأسئلة الوجودية المطروحة عليهما، في محاولة لتجاوز صورة المغرب المتخيل، نحو مغرب المستقبل بألوانه الواقعية.

وعليه فان السؤال المتصلب على القيم والهوية في بعديهما الفكري والديمقراطي لايزال ينتظر الحسم في كثير من المعتقدات والممارسات المشوشة لأصالة المشهد،وهي القيم الهجينة التي باتت تتحكم في ذهنيات وسلوكات فئات عريضة من مجتمعنا، تحت سطوة موجات التبضيع والتسليع والتمييع التي حملتها عواصف النيوليبرالية المتوحشة.

 وكمداخل مستعجلة لتحقيق الأهداف المسطرة لمشروع النموذج التنموي المنشود لبلدنا، لا بد من العمل على تطوير ملائمة مضامين النصوص القانونية المؤطرة للقطاع الثقافي وفقا لمقتضيات الدستور الجديد من جهة، ورفع ميزانية الدولة المخصصة للشؤون الثقافية مع ضرورة العناية والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية والمهنية للمثقفين والمبدعين من نساء ورجال الثقافة والفنون. كل ذلك، يتطلب أيضا بلورة استراتيجية تواصلية تجعل الشأن الثقافي في صلب التنمية المجتمعية، توسيع فضاءات القراءة والأنشطة الثقافية وتقريبها من الفرى والمناطق النائية، إشراك الكفاءات بالوزارة في التدبير وربط المسؤولية بالمحاسبة، توسيع إشراك ودعم القطاع الخصوصي للشأن الثقافي، وتعبئة الإمكانيات المادية المطلوبة لتدبير وتوفير وتأهيل الموارد البشرية.