منظمة نساء المغرب” النموذج التنموي الجديد المقترح يؤسس لتصور لا يعكس المغرب الذي نريد

0
109

في ديسمبر 2019، أعلن الملك عن إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.وعيّن أعضاء لجنة استشارية تتشكل من 35 شخصية من المسؤولين والخبراء والأكاديميين، وأوكل لها مهمة إعداد تصور في هذا الخصوص، بعد الوقوف على الأوضاع الحالية في إطار من الموضوعية والمقاربة النقدية، واستحضار مطالب المواطنين، والمتغيرات التي يفرضها المحيط الدولي..

قالت “الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب” إن النموذج التنموي الجديد المقترح يؤسس لتصور لا يعكس المغرب الذي نريد.

وأكدت في بيان، أن المغرب راكم منذ صدور تقرير الخمسينية سنة 2005 ما يكفي من الخبرة والتجربة في مجال تشخيص الأوضاع ورسم خرائط الطريق لعدد من القطاعات، لكن التقرير لم يأخذ بعين الاعتبار رصيد تلك التجارب قصد توظفيها في بناء نموذج تنموي جديد.

وشدد البيان على أن المغرب لا يحتاج إلى تشخيص آخر، خاصة عندما يأتي كما في التقرير مطبوعا بالتجزيئ ومقتصرا في بعض الحالات على انطباعات متجاوزة أو غير مبنية على أساس، لأن حاجتنا الماسة اليوم هي معرفة الأسباب التي حالت دون نجاح الاستراتيجيات والرؤى ومختلف أوراش الإصلاح، خاصة على مستوى التنفيذ.

وأضاف البيان ” أن ما يستدعي الانتباه في النموذج المقترح هو أنه مطبوع بنظريات التنمية التي سادت في التسعينات، متسائلة عن قدرته على ضمان النمو الاقتصادي للقضاء على الفوارق بشكل تلقائي، خاصة تلك المتعلقة بالنوع الاجتماعي”.

وأبرزت أن التقرير استند في معالجته على أوضاع النساء على مفاهيم ورؤية من زمن آخر، منها اعتبار النساء “فئة” مثل فئة الشباب وهي تتكون من الجنسين، في حين أن النساء لسن فئة ولا قضية اجتماعية-قطاعية تابعة لقطاع الأسرة والطفولة والأشخاص في وضعية إعاقة كما هو الحال في بلادنا اليوم.

وأشار إلى أن التقرير عمد خلافا للدستور، إلى تغييب شبه مطلقة للمرجعية الكونية من مضامينه، خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي يعد المغرب طرفا فيها، في حين تطرق للخصوصية الدينية والثقافية بشكل متكرر، من أجل تبرير المفارقة الماضوية مع التوصيات الخاصة بتقوية حقوق النساء وحرياتهن.

واستغربت الجمعية من استحضار الخصوصية الدينية عند مناقشة حقوق النساء حصرا، علما أنها غائبة في باقي النقاشات، متسائلة هل تتطابق باقي مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية مع التعاليم الدينية؟.

وأوضحت أن الإجراء المركزي المقترح في التقرير، والهادف إلى رفع نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء من 18 في المائة حاليا إلى 45 في المائة بحلول 2035، يتجاهل آليات الإقصاء المعقدة والعوامل الهيكيلة التي تقاوم التفعيل، والتي جعلت المغرب يفقد ريادته في المنطقة ليحتل سنة 2020 وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، المركز 148 بعد كل من مصر وتونس والجزائر.

ولفتت إلى أن التقرير لا يتطرق للوسائل الكفيلة بمحاربة الفقر في أوساط النساء القرويات اللواتي يشتغلن بدون أجر، وبدون إمكانية الولوج إلى منظومة الضمان الاجتماعي، ولا إلى الأراضي ووسائل الإنتاج، بينما يقوم التشريع المتعلق بالمواريث وبالأراضي الجماعية والحبوس، بالتمييز ضد النساء بل واستعبادهن بكل بساطة.

وانتقدت الجمعية عدم تطرق التقرير لمختلف أشكال التمييز القائمة على النوع الاجتماعي والمتعلقة بمنظومة المواريث، والإبقاء على زواج القاصرات وتعدد الزوجات، في الوقت الذي تعتبر فيه غالبية النساء من كل المستويات التعليمية، وكل الشرائح الاجتماعية، أن هذه المقتضيات تشكل مصدرا كبيرا  لانعدام الأمن بالنسبة لهن ولأطفالهن، وأنها تمس بكرامتهن.

واعتبرت أن التقرير لم يلامس مستوى بعض الإجراءات والتوصيات التي تم اقتراحها في السنوات الأخيرة من قبل العديد من المؤسسات الدستورية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.

وأكدت أنه التزم الصمت إزاء مشاكل سياسية ومجتمعية حقيقية، وحافظ على عدة مناطق رمادية واكتفى بالنسبة لحقوق النساء باقتراح تدابير متجاوزة.

وخلال خطاب العرش، بتاريخ 29 يوليو/تموز 2018، توقّف الملك عند مجموعة من العوامل التي أصبحت تفرض إرساء نموذج تنموي جديد؛ من قبيل: الإشكالات الاجتماعية والمجالية. وخلال افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الثانية بتاريخ 12 أكتوبر 2018، أقرّ الملك محمد السادس بعدم قدرة النموذج التنموي الحالي على تلبية الحاجات المتزايدة للمواطن. ونبّه مختلف الفاعلين إلى أن هناك حاجة ملحّة لتنمية متوازنة ومنصفة تضمن الكرامة للمواطن؛ من خلال توفير عدد من الخدمات المهنية والصحية والشغل للشباب. وخلال خطاب عيد العرش بتاريخ 30 يوليو 2019، تمّ تجديد الدعوة لبلورة مشروع تنموي جديد، مع الحديث عن إحداث لجنة استشارية تعمل على وضع الخطوط العريضة لهذا النموذج، تتشكّل من شخصيات تنتمي لقطاعات مختلفة..

في ديسمبر 2019، أعلن الملك عن إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. وعين على رأسها السيد شكيب بنموسى (السفير الحالي للمغرب بفرنسا، ووزير الداخلية السابق). ويتشكل أعضائها من 35 شخصية من المسؤولين والخبراء والأكاديميين، وأوكل لها مهمة إعداد تصور في هذا الخصوص، بعد الوقوف على الأوضاع الحالية في إطار من الموضوعية والمقاربة النقدية، واستحضار مطالب المواطنين، والمتغيرات التي يفرضها المحيط الدولي..

وانطلاقا من طابعها الاستشاري، تم الإعلان أن اللجنة ستقوم “بتشخيص دقيق وموضوعي للوضع الحالي، بكل صراحة وجرأة وموضوعية، بغية رصد الاختلالات التي يجب تصحيحها وتحديد معالم القوة من أجل تعزيز المكتسبات، في أفق صياغة مقترحات واقعية وقابلة للتنفيذ”.

إلا أن جائحة كورونا أخرت عمل اللجنة وحالت دون تقديم رؤيتها في الأجل المرسوم. بل إنها فرضت تمديد فترة المشاورات والمزيد من النقاش. خصوصا وأن الأزمة الوبائية لم تسمح بتوسيع نقاش عمومي مفتوح لبلورة نموذج جديد يستجيب لتطلعات المواطنين. والأكثر من ذلك، هو أن جائحة كورونا كشفت عن أن الدور الأساسي في مواجهتها يعود للدولة. وأن الإلحاح يزيد ويتعمق أكثر على تطوير وتعزيز القطاعات العمومية في الصحة والتعليم وتعميم التغطية الاجتماعية، وتقليص التحديات الاقتصادية والتفاوتات الاجتماعية والمفارقات مجالية. 

اختار المغرب نظام الجهوية أسلوباً؛ لتدبير الشأن المحلي، ورغم الجهود المبذولة على مستوى تطوير هذا الخيار، وكسب رهاناته فيما يتعلق بتحقيق التنمية والديمقراطية المحليتين، وبخاصة مع المستجدات الدستورية التي عززت من صلاحيات الجهات، فإن الحصيلة لم تكن في مستوى الانتظارات..

إن ربط النموذج التنموي بالخيار الجهوي هو أمر طبيعي، على اعتبار أن هذا الأخير يشكّل مدخلاً لخلق الثروة، واستثمار وتجنيد مختلف الإمكانات المتوافرة في أبعادها الجغرافية والبشرية والطبيعية والقانونية واللامادية..، ولأن التجارب التنموية الرائدة دولياً، تؤكّد أن الفضاء المحلّي بإمكاناته وخصوصياته، يمثّل الإطار المناسب لتعزيز فاعلية الموارد الطبيعية والبشرية، ولإرساء مختلف البرامج والاستراتيجيات المتّصلة بالتنمية الإنسانية.. وعموماً تبقى العلاقة جدلية بينهما؛ ذلك أن مرتكزات الجهوية لا يمكن أن تتبلور واقعياً في غياب نموذج تنموي واعد يضمن حماية البيئة واستحضار الأمن الغذائي، فيما سيوفّر التطبيق الجيّد للجهوية شروط إنضاج وتفعيل هذا النموذج..

إن كسب رهان تحقيق التنمية، يتطلّب التعاطي مع الأمر بشكل شمولي؛ من خلال وضع المواطن في صلب العملية التنموية، وتيسير ولوجه إلى مختلف الخدمات الاجتماعية، والاهتمام بالفئات الهشة؛ عبر خلق فرص الشغل وتطوير منظومة التعليم، والحدّ من هجرة الكفاءات، مع نهج الديمقراطية التشاركية والتخطيط الاستراتيجي في هذا الخصوص، وإشراك فعاليات المجتمع المدني، ومراكز البحث والجامعات في ربح هذا الرهان.

وتبقى الإشارة إلى أنه لا يمكن إرساء نموذج تنموي طموح، دون إيلاء الاهتمام الكافي للمناطق النائية ضمن رؤية منفتحة تدعم تحقيق العدالة المجالية، ودون انخراط جدّي للقطاع الخاص، في إطار من التنافسية وتكافؤ الفرص، وفي مناخ استثماري سليم بعيد عن كل مظاهر الريع..

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا