الغلوسي يتهم وزير العدل بـ”التضييق على المجتمع المدني الجاد والملتزم وتوفر حماية وغطاء قانونيا وسياسيا للمفسدين ولصوص المال العام “

0
113

تحوّلت مكافحة الفساد إلى أحد الشِّـعارات الرئيسية التي ترفعها الحكومات المغربية منذ عشرات السنين، وخاصة بعد دستور 2011، في نهاية سنة 2015 خطتها العشرية تحت مسمى “الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد” و التي سيمتد تفعيل بنودها  برامجها إلى حدود سنة 2025، بعدما تواترت قضايا الرّشوة والمحسوبية، التي كشفت ضخامة الظاهرة ومنحت مصداقية للتقارير الدولية التي حذّرت من تفاقمها. فإن المغرب يؤدي فاتورة مكلفة بالنسبة لمعدلات النمو تقارب مليار دولار سنويا و يحرمه من نقطة إضافية في معدل النمو السنوي للناتج الداخلي الخام .

و مما لا شك فيه، فإن للظاهرة جذورا تاريخية متعمقة. فالنظام السياسي المغربي مبني على قاعدة الريع الاقتصادي مقابل الولاء للنظام الحاكم منذ ظهور الدولة المغربية المستقلة عن الخلافة الإسلامية المشرقية، حتى حدود فرض الحماية الفرنسية على البلد سنة 1912 والتي عملت على تكريس الوضع و الاستفادة من الولاءات القبلية مقابل الفساد والاستغلال غير العادل للأعيان و المعمرين للثروات.

وفي بيان نشر على “فيسبوك”، استغرب رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام” من تصريحات للوزير العدل عبداللطيف وهبي، حاول من خلالها طمأنة بعض الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات فساد، متعهّداً بإدراج تعديل في قانون المسطرة الجنائية يسمح لوزارة الداخلية مقاضات هؤلاء، ويمنع جمعيات حماية المال العام والمنظمات الحقوقية من تقديم شكايات إلى القضاء بخصوص افتراض وجود شبهات فساد في بعض المرافق العمومية والتي يتولى تدبيرها أشخاص أسندت لهم مهام التدبير العمومي.

وكان وزير العادل وهبي قد صرح أمام البرلمان بأنه “لا يعقل أن يتم استدعاء المنتخب الذي يمثل الأمة إلى المحاكم للمس بصورته أمام المجتمع والرأي العام الوطني”.

وأشار إلى أن هؤلاء -حسب الوزير- “في الدرجة الثانية من المواطنة، أما المنتخبين فعيب أن تتم جرجرتهم أمام المحاكم ولو اختلسوا الملايير في واضحة النهار، وعلى الناس أن تصمت و أن لا تبلغ بذلك، وأن تقدم مطالبها لنفس ممثلي الأمة ولو كان منهم من هو سارق للمال العام”، وفق ما جاء في تدوينة الغلوسي.

واستنكر الغلوسي، اشتراط  وزير العدل وهبي إحالة الشكايات المقدمة في هذا الإطار على وزارة الداخلية لإبداء رأيها في الموضوع والتأكد من صحة المعطيات الواردة بالشكاية قبل فتح أي بحث قضائي، التي تتعارض مع المقتضيات الدستورية والقانونية ذات الصلة بأدوار المجتمع المدني في تخليق الحياة العامة باعتباره وفقا لمنطوق الدستور شريكا في صنع السياسات العمومية وتقييمها.

واعتبر الناشط الحقوقي كلام الوزير والنوايا المعبر عنها تهدف إلى خنق نشاط المجتمع المدني وتكميم الأفواه والتراجع عن المكتسبات الدستورية ذات الصلة بالحقوق والحريات، و”انتكاسة حقوقية وتجعل السلطة القضائية تفقد أحد مقومات وجودها وهو استقلاليتها عن باقي السلط ليجعلها السيد الوزير المحترم تحت سلطة وزارة الداخلية، وهو أمر لم يسبق لأي مسؤول أن دافع عنه”، وفق بيان الجمعية. 

وتابع قائلاً: “تصريحات وزير العدل لا تعدو أن تكون استجابة لضغوط رموز الفساد ولصوص المال العام وتسعى لتوفير الحماية لهم وتشجيع استمرار مظاهر الفساد والرشوة والريع في الحياة العامة.

معتبراً تصريحات  وزير العدل بمجلس النواب مساً باستقلال السلطة القضائية وتدخلا في شأنها وتقييدا لدور النيابة العامة التي ألزمها قانون المسطرة الجنائية بتحريك الأبحاث التمهيدية بناء فقط على مجرد وشاية. كما تتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

و تشكل تصريحات وزير العدل مسا خطيرا وغير مسبوق بالمقتضيات القانونية الواردة بالمسطرة الجنائية والتي تلزم كل شخص بالتبليغ عن جرائم الفساد والرشوة واختلاس وتبديد المال العام مع تمتيع المبلغين بالحماية (المادة 82-9 من قانون المسطرة الجنائية).

كما دعا الغلوسي، البرلمان إلى تحمل مسؤوليته وعدم الانجرار مع الدعوات الرامية إلى التشريع لفائدة المتورطين في جرائم الفساد والمس بالحقوق والحريات وانتهاك مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وأعلن الغلوسي استعداد الجمعية المغربية لحماية المال العام بالتنسيق مع شركائها في التنظيمات السياسية الديمقراطية والحقوقية والنقابية والمدنية لخوض كافة الأشكال الاحتجاجية المشروعة لمناهضة الفساد ونهب المال العام والتصدي لكل المحاولات الرامية إلى تشجيع الفساد وتوفير غطاء قانوني وسياسي للمفسدين ولصوص المال العام.

ودعا الغلوسي  إلى تنظيم حملة واسعة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي لفضح مسعى وزير العدل وكشف أبعاد حماسه المنقطع النظير للدفاع عن سماسرة وتجار الانتخابات وحماية المفسدين وناهبي المال العام.

بن كيران يهاجم أخنوش ما قلته خطير ويدخل في اختصاصات الملك ويتهم لأول مرة أخنوش بـ”الاتفاق مع الشركات” لزيادة الأرباح!؟

“وكان على وزير العدل، وهو رجل قانون، ألا يقبل على نفسه هذه المهمة البئيسة، لأنه يعلم جيداً أن الدستور الذي يعتبر أسمى قانون في البلد قد أعطى أدواراً مهمة للمجتمع المدني وجعله شريكاً أساسياً في إنتاج القرار والسياسات العمومية، كما وفر القانون حماية خاصة للمبلغين عن جرائم الفساد والرشوة هذا دون أن ننسى أن القانون يجبر الناس جميعاً على التبليغ عن أية جريمة وإلا تعرضوا للمتابعة الجنائية بعدم التبليغ”.

وطرح محمد الغلوسي تساؤلاً في تغريذة سابقة: “هل ستسمح الدولة ومؤسساتها والفرق البرلمانية للوزير بأن يستعمل منصبه الوظيفي للتشريع لفئة متورطة في الفساد والرشوة وحمايتها من الرقابة المجتمعية التي يشكلها المجتمع المدني الجاد في انتهاك تام لمقتضيات الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب وفي مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؟”.

ومع بداية الدولة المغربية الحديثة لفترة ما بعد الحماية، طفا على السطح نزاع الشرعية و التحكم في السلطة في مغرب الاستقلال ما بين المؤسسة الملكية و الأحزاب الوطنية المساهمة في معركة التحرير و المؤسسة العسكرية. و شجع هذا التنازع على استمرار الممارسات الفاسدة و غض الطرف عنها في مقابل ضمان التبعية و توطيد دعائم السلطة الملكية.

وهكذا صار الفساد أكثر توحشا وانتشارا في الإدارة والجيش والأحزاب السياسية ومحيط الملك وإدارة المخزن و القضاء، بل أن الأمر وصل لدرجة التطبيع المجتمعي مع الفساد و تسويغه والسعي للاستفادة منه، ومن ذلك حث النخب والأطر على استغلال الفرص و الانخراط في منظومة الفساد المتشعبة، ما دام مبدأ اللاعقاب و اللاحساب هو السائد. ولم ينخرط المغرب فعليا في محاربة الفساد إلا مع مطلع الألفية الحالية، و إن كانت درجة انخراطه محتشمة و غير كافية لانتشال البلد من الوضع الذي عاشه طيلة 60 من الاستقلال.

ويأتي اعتماد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد في سياق دستوري جديد، إذ تم التنصيص لأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية على مبدأ الحكامة الجيدة و أفرده دستور 2011 بالباب الثاني عشر. و هكذا وردت مبادئ أساسية لعمل المؤسسات العمومية في الفصول ما بين 154 و 170 كالشفافية والمحاسبة والمسؤولية والنزاهة والمصلحة العامة.

إن فتح جبهة محاربة الفساد و الحد من آثاره يفترض اعتماد مقاربة نوعية تضع نصب أهدافها اجتثاث منظومته وعدم الاكتفاء بمحاربة مظاهره فقط، و لعل هذا لن يتحقق سوى بسياسة واضحة المعالم والأهداف تعمل على تجفيف منابع بركة الفساد الآسنة. وللمساعدة على تحقيق هذا المبتغى يجب العمل على التنزيل السريع لإصلاح منظومة القضاء المغربي، وإعطاؤها الأولوية في المشروع الإصلاحي. فمنظومة العدالة هي الضامن الأساس للجانب الجزري الضروري لكل سياسة تروم محاربة الفساد، وتخفيف العبء الضريبي على جميع الفاعلين الاقتصاديين، مما سيتيح لهم تحسين قدرتهم الشرائية والدفع بعجلة الطلب الداخلي الضروري للنمو الاقتصادي، والمرادف لتحسن الظروف المعيشية وشيوع ثقافة الاستحقاق.

كما يجب إعمال القانون وتطبيق النصوص الزجرية في حق كل من ثبت في حقه الإخلال بالواجب المهني أو استغلال المناصب في الاغتناء اللامشروع، بعيدا عن الانتقائية المعمول بها حاليا، وباعتماد تشريعات تنص على رفع الحصانة و إخضاع المناصب السياسية لسلطة المحاكم المالية.

وتهدف المقترحات المذكورة إلى تحقيق غاية كبرى هي أساس النظم المجتمعية الأكثر شفافية و هي الحرية الاقتصادية. فباعتماد هذه الإجراءات تكون الدولة قد قامت بدورها الأساسي في توفير بنية تشريعية و قانونية تحارب الاحتكار واستغلال السلطة وتنظم السوق وفق مبادئ المنافسة الحرة التي تتيح للجميع فرصة الاستثمار والربحية بتوافق مع الجهد والاستحقاق، مما يحيلنا على منظومة تحارب الفساد بمبادئها وبنيتها الاقتصادية.

إن محاربة الفساد في المغرب تحتاج رجة عنيفة لتكسير بنى إقطاعية عتيقة تم تغليفها بمسوح حديثة، والحرية الاقتصادية هي معول الهدم الذي يقدر على ذلك، فهل نربح الرهان؟.

 

بنكيران يطالب رئيس الحكومة “الملياردير عزيز أخنوش” بالاستقالة بعد “فشله في التدبير”.. “أولاد هلاَّب كلاو الدشيشة وهرسو الحلاَّب”

 

 

 

 

 

 

المصدر : مواقع التواصل + فقرتين من مقال للكاتب ياسين أعليا  cnn عربية