نزار بركة زعيم المعارضة” أغنياء المغرب يستحوذون على 54 % من الدخل القومي للمملكة ؟!

0
136

أين الثروة؟ من أهم الأسئلة التي طرحها جلالة الملك المفدى محمد السادس – حفظه الله –  في خطاباته للشعب، منذ تربعه على عرش أسلافه الميامين، وبالضبط في خطاب عيد العرش لسنة 2014. وكان دافعه هو التساؤل عن سوء توزيع ثروة البلاد على المواطنين، في ظل ارتفاع الفوارق. لكن الجواب مازال يتميز بالراهنية، بحكم استمرار الفوارق وتساؤل المغاربة عن الثروة، ولماذا لا يستفيدون منها. 

يزخر المغرب بثروات معدنية هامة، وفضلا عن الفوسفات الذي تتوفر المملكة على 75% من الاحتياطي العالمي منه، توجد بالبلاد مناجم معدنية أخرى كالحديد والرصاص والفضة والزنك والنحاس وغيرها في مختلف الجهات يوجه إنتاجها بصفة أساسية للتصدير.

كشف زعيم المعارضة في المغرب، نزار بركة ،الأمين العام لحزب “الاستقلال” (المعارض)، أن جائحة كورونا أبرزت هشاشة الاقتصاد الوطني، وهشاشة الوضعية الاجتماعية بالمملكة، وقد تجلى جلياً لنا، أن الدينامية الإيجابية التي عرفها المغرب في سنة 2014 توقفت ودخلنا في منطق التراجع.

وأكد بركة، في لقاء نطم من طرف منتدى وكالة المغرب العربي للأنباء، اليوم الأربعاء، أن هذا التراجع انعكس أيضا على معدلات النمو حيث كنا في 5 في المائة ونزلنا إلى 3 في المائة، ثم التراجع في مستوى خلق فرص الشغل التي انخفضت من 40 ألف لكل نقطة نمو إلى 20 ألف منصب شغل، والتراجع في التماسك الاجتماعي لأن الفوارق الاجتماعية توسعت.

وأبرز أن حزب “الاستقلال” لاطالما أكد أن السياسيات العمومية المطبقة اليوم أصبحت متجاوزة ونتائجها ستكون عكسية بالنسبة لبلادنا، وستضر بها، معتبرا أن التراجع حدث قبل جائحة كورونا وليس معها كما ما روج رئيس الحكومة في تقديم حصيلته.

وأضاف ” اليوم وصلنا إلى سقف لم نبلغه أبدا طوال تاريخنا، فمعدل الفوارق الاجتماعي “جيني” وصل إلى 46 في المائة والسقف المطلوب هو 42 في المائة، ولدينا اليوم 20 في المائة من الأكثر غنى في البلاد يحتكرون 54 في المائة من الدخل القومي لبلادنا، في الوقت الذي يتقاسم فيه 80 في المائة من المغاربة 46 في المائة من هذا الدخل”.

وأبرز أن المشاريع التي أطلقها الملك محمد السادس، والمرتبطة بورش الحماية الاجتماعية، تؤكد أننا انتقلنا من منطق تراكم الثروات إلى منطق إعادة توزيعها، عبر آلية للتضامن تسمح للفئات المستضعفة والمتوسطة من الولوج إلى الخدمات الصحية، ومن الاستفادة من التعويضات العائلية، ومن التقاعد والمعاشات، وهذا أمر مهم جدا.

وتابع ” هذا بحد ذاته يجسد ثورة وقطيعة مع الماضي، بالنسبة للسياسات والتوجهات التي كانت تسير فيها البلاد، وتؤكد على أهمية الدولة الراعية التي كشفت الجائحة ضرورة الرجوع إليها”.

وزاد ” لا يمكن أن نعود إلى نفس المنطق الذي كنا نشتغل به قبل الجائحة، فهذا الأمر مرفوض، والمغاربة عليهم أن يرفضوا كل السياسات التي أدت إلى زرع اليأس في صفوف المواطنات والمواطنين وخاصة الشباب منهم، وقد رأينا ما وقع في سبتة وكيف أن 70 في المائة من الشباب يريدون مغادرة البلاد، وهذا غير مقبول يستدعي أن يكون هناك تحول وتناوب ديمقراطي يتفاعل مع الإرادة الملكية للتغيير ومع النموذج التنموي الجديد”.

وأضاف ” حزب الاستقلال في حلته الجديدة مستعد لكي يقوم بهذه القطيعة الضرورية لتحقيق هذا التغيير، ومنذ البداية أكدنا أنه إذا أراد المغرب تحقيق قفزة نوعية من الضروري عليه تقوية الجبهة الداخلية، وهذا يقتضي بث الأمل في صفوف المواطنات والمواطنين، وأن ننهض بوضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وأن نمكن البلاد من تجاوز بعض الإخفاقات”.

وشدد بركة على ضرورة القطيعة مع اقتصاد الريع ومجتمع الامتيازات، وتحرير الطاقات الكبيرة الموجودة في البلاد، والانتقال من مجتمع “باك صاحبي” والانتقال إلى مجتمع الحقوق التي جاء بها الدستور، وتكون هناك قواعد تطبق على الجميع بدون استثناء.

وأكد على أهمية القطع مع  إعطاء الامتيازات لفئة معينة للدفاع عن مصالح لوبيات، عوض الدفاع عن مصلحة المواطنين والمواطنات بصفة عامة، وتقليص الفوارق عبر القضاء على الفقر وتوسيع الطبقة المتوسطة والكف عن استهدافها.

وأبرز أن حزب “الاستقلال” إذا تولى رئاسة الحكومة المقبلة سيقطع مع هذه السياسات التي تستهدف الطبقة المتوسطة، وسيعمل على تقويتها وتوسيعها على اعتبار أنها صمام أمان للبلاد”.

وأكمل بالقول ” رئيس الحكومة تحدث يوم أمس أننا أمام ولاية حكومية استثنائية، وبالفعل هي ولاية استثنائية لأننا” عمرنا ما شفنا بحال هذه الحكومة”.

وتتوزع الثروات المعدنية بالمغرب فيما يسمى بالهامش المغربي، وهي مناطق رغم توفرها على ثروات هائلة فإنها تعيش خارج التنمية وتتقاسم ثنائية متناقضة وهي الثروة والهشاشة، ومن هذه المدن خريبكة (الفوسفاط) وميسور (الغاسول) وإميضر (الفضة) والناظور (الحديد) وميدلت (الرصاص والزنك) وورزازات (الكوبالت) وزاكورة (النحاس) وغيرها.

https://www.youtube.com/watch?v=JVo-LNvyBRg

هناك الاحتكار الوحشي، إذ يعيش الاقتصاد المغربي ظاهرة خطيرة وهي، الاحتكار الفظيع من طرف طبقة معينة، بما فيها بعض النافذين في الدولة وعائلات معينة. ويتمثل الاحتكار في رخص التصدير والاستيراد والإنتاج والبيع. هذا الاحتكار الوحشي يمنع ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال الشباب، خاصة في الأقاليم البعيدة عن المركز، قادرة على خلق مناصب الشغل، وبالتالي المساهمة في توزيع الثروة. وينجم عن هذه الظاهرة تمركز الثروة في أيادي فئة معينة، من دون تطور الاقتصاد المغربي واقتسام الخيرات. ومن باب المقارنة، يعد المغرب في صدارة الدول في العالم، التي تسجل تمركزا للرأسمال وسط فئة محدودة وصغيرة جدا، دون باقي الشعب، وعدم اتخاذ الدولة تدابير حقيقية لجعل الثروة تتوزع بشكل سليم وسط المواطنين. وهذا يفسر لماذا عدد المليونيرات في المغرب محدود للغاية، مقارنة مع حجم الاقتصاد المغربي الذي يقارب دخله القومي 110 مليارات دولار في الوقت الراهن، ويفسر لماذا تتراجع الطبقة الوسطى بشكل مرعب.

هناك آفة الفساد: هذا المصطلح هو الأكثر استعمالا في تفسير الخروقات المالية التي تشهدها الدول، وكذلك لتفسير الفوارق الطبقية. ويعد المغرب من الدول الرائدة في الفساد المالي، بسبب غياب آليات زجرية حقيقية للمفسدين. وهناك تقارير حول الاختلاسات المباشرة، التي تشهدها بعض القطاعات، عبر سرقة جزء من الميزانيات المالية في الصفقات، لكن الدولة تتماطل في محاربة هذا الوباء، إلى مستوى يجعل الفساد أحد البنيات الرئيسية للدولة المغربية. ومن ضمن الأمثلة التي شهدها المغرب خلال السنوات الأخيرة، أنه بينما فتحت أغلب دول العالم تحقيقا قضائيا في الحسابات السرية في سويسرا لسياسيين ورجال أعمال، وكذلك في وثائق بنما، التزم المغرب الرسمي الصمت المطلق، وكأنها مباركة للاختلاس.

في الوقت ذاته، شهد قطاع التعليم أكبر عمليات للنصب والسرقة، في ما يخص «المخطط الاستعجالي»، ورغم الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع لنهضة كل أمة، ورغم حجم الاختلاسات، لم يتحرك القضاء بجدية لمواجهة هذا الفساد. وهذا يتكرر في مختلف القطاعات الأخرى، ومعه يتم طرح سؤال جوهري: على ضوء هذا الفساد المرعب: ما مدى أخلاقية القضاء المغربي، عندما يقف صامتا أمام الاختلاسات الفضائحية مثل التعليم؟ في الوقت ذاته، هناك فساد آخر خطير، وهو غياب سجل يتضمن ممتلكات الوطن ومنها، الموارد الطبيعية، حيث يجهل المغاربة العائدات الحقيقية للفوسفات مثلا، وتتكتم الدولة بشكل فضائحي على صادرات الذهب إلى الخارج. وما زال المواطن يتساءل: من يأخذ ذهب المغرب؟ 

عدم الكفاءة: من التقاليد الراسخة في ثقافة تعيين المسؤولين في المغرب، تلك المتعلقة بغلبة الولاء على الكفاءة، فكلما ارتفع ترموميتر التملق والولاء الرخيص، حصل الشخص على مناصب عليا في سلم المسؤولية في البلاد، وفي المقابل، كلما تمتع الشخص بحس نقدي بشأن الأوضاع السياسية والاجتماعية في مخاطبة السلطة المركزية، إلا وكان مصيره التهميش المبرمج. وغلبة أصحاب الولاءات في المناصب على أصحاب الكفاءات ينجم عنه عدم الرفع من الثروة في البلاد، بل التبذير، ما يحرم المواطنين مما يمكن أن تقدمه هذه الكفاءات لخدمة للوطن.

المديونية: يعتبر المغرب من الدول التي سقطت في دوامة الديون. ويوجد مظهران سلبيان لهذا الموضوع: الأول ويتجلى في كون معظم الديون التي اقترضها المغرب لم توظف في مشاريع تحقق النمو بنسب تزيد عن فوائدها، بل لسد العجز في ميزانية التسيير. والمفارقة أن هذه القروض لا تساهم في تنمية المغرب، بل ترهن مستقبل الأجيال المقبلة، لأنه يستحيل على المغرب تسديد هذه الديون خلال العشرين سنة المقبلة، إذا استمر النمو الاقتصادي على نمط السلحفاة، بل يزيد غرقا في الديون بعدما تجاوز 80% من ناتجه الإجمالي العام. 

غياب الدراسات الجريئة: ضمن ما تحتكره الدولة المغربية هو الإنتاج الفكري للتنمية والتعامل مع المشاريع الفكرية للتنمية من باب «الماركتينغ السياسي» لتجميل قراراتها. وتتميز المشاريع الفكرية للدولة المغربية بالهشاشة والمحدودية في الزمن. ومن ضمن الأمثلة الصارخة هو الخطاب الملكي سنة 2014 الذي بشّر المغاربة بالانتقال إلى مصاف الدول الصاعدة. لكن بعد ستة سنوات من هذا التبشير، تعترف الدولة نفسها على لسان الملك المفدى محمد السادس، بفشل النموذج التنموي المغربي. ويقبع المغرب في مرتبة غير مشرفة في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم، باحتلاله المركز ما بعد 120.

ويواجه المغرب أزمة عميقة في قطاعات استراتيجية لكل نهضة، وهي التعليم والصحة والتشغيل، ورغم خطورة الأمر، تعتمد الدولة على الوجوه نفسها التي قدمت مشاريع فاشلة في إنتاج مشاريع جديدة تكون في الغالب نسخا منقولة بشكل خاطئ عن مشاريع أنجزتها دول أخرى. وفي المقابل، سادت ثقافة سلبية تهاجم كل بديل فكري، ويتجلى ذلك في ظهور منابر إعلامية مقربة من السلطة، أو تمولها السلطة نفسها سرا، تهاجم وبعنف كل من انتقد الوضع الفاشل وقدم في المقابل بديلا، وكأن إنتاج الأفكار البديلة من أجل التكامل وتصحيح المسار، أصبح خروجا عن الجماعة والوطن، ويصنف في باب الخيانة. وأخطر ما يعيشه المغرب هو ظهور فئة من المحللين الذين ينعتون أنفسهم بالاستراتيجيين والجيوسياسيين يتبارون في تمجيد مشاريع هشة للدولة من دون ضمير أخلاقي وأكاديمي ويعمّقون من الخلل بدل الإصلاح.

أين الثروة؟ ثروة الوطن موزعة بين الاختلاس والفساد وهو ما يفسر لماذا تراجعت القدرة الشرائية للمغاربة، وانتفخت ثروات النافذين في البلاد، لاسيما الذين يجمعون بين الثروة والسلطة.

لكنّ هناك شقا ثانيا للسؤال: هل يطور المغرب آليات إنتاج الثروة؟ والجواب لا.. بسبب سوء الحكامة وغلبة الولاءات بدل الكفاءات، علاوة على غياب الجرأة في قول الحق في نقد اختيارات ومشاريع السلطة الحاكمة. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الثاني بقلم : كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»